الجمعة، فبراير ٢٢، ٢٠٠٨

الحلقة الثالثه :أفتح ....إحنا أمن الدولة !!


أغلق علينا باب أول زنزانه أدخلها "سجينا " في حياتى ...
بعض من معنا أخذ زميله بالحضن فهذه اول مرة يقابله من فترة طويله
البعض في أول دخوله إلتحف الأرض و بدأ في النوم
أخرون ظل الصمت يعلو وجوههم
أخ أول ما أغلق الباب ذهب مباشرة إلى دكتور أحمد عبدالرحمن و قبل رأسه و قال له :
يا دكتور أحمد طالما إنت معانا يبقى إحنا في أفضل حال !!
انا نظرت إلى أستاذ بهيج و قلت : أول مرة ؟
ــــ ايوة
ــــ خير ، قلقان ؟
ـــ أولادى اول مرة أغيب عنهم ، بس أكيد هيتعودوا ! ربنا ييسر ثم أبتسم
مع إبتسامته ، علت البسمه وجهى لأول مرة و قلت له :
إتوكلنا على الله ، ربنا ييسر علينا الرحله و يسعدنا بيها .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحرك البوكس سريعا إلى منزل الدكتور أحمد عبدالرحمن و معه قوة كبيرة العدد من المخبرين . و عند وصولهم إلى المنزل بدأوا فاصل من التفتيش الدقيق لكل أركان المنزل بحثا عن ماذا ؟ لا أدرى يمكن ان تسألوهم ، لكنهم بالتأكيد لا يبحثوا عن و ثيقه فتح مصر ؟
و لا عن خطة الإخوان للوصول للحكم !!
وبالتأكيد لم يذهبوا للمنزل بحثا عن صاحب العبارة الذى تسبب في واحده من أسوأ الكوارث البحرية في تاريخ العالم
و لاعن المسؤل عن محرقه بنى سويف
و لا عن المسؤل عن إحراق القطارات
و لا عن ...............................
الخلاصه : ذهبوا لتفتيش المنزل سريعا جدا و بسرعه نحسد عليها . لو أن الأجهزة في مصر تتفاعل مع الأحداث بمثل هذه السرعه لكنا في حال أخرى .
أولاد الدكتور أحمد كانوا يتابعون التفتيش من غرفه إلى غرفه بحثا عن جواب السؤال :
عن ماذا يبحثون ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــ الكل يتجمع ، و إللى نايم صحوه .الكل يتجمع ، انا عاوز أتكلم معاكم شويه .
كان هذا بدايه كلام الدكتور أحمد لنا ،
و بدأنا بالفعل نجلس محلقين حول الدكتور أحمد . في البدايه طلب منى أن أقرأ بعض ايات من القرآن فلم أجد مناسبا مثل سورة "نوح" .
"
وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًاِ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًاِ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًاِ "
بعد أن إنتهيت تحدث معنا الدكتور أحمد ، لكن ما أتذكره جيدا من كلامه أنه قال:
إنسوا أى حاجة بره ، إنسوا الشغل و الأهل و الدنيا ، إنسوا أى مشاكل كنتوا بتحاولوا تحلوها ،ـ و إنسوا أى مشاكل إنتوا فاكرين إن الإعتقال ده ممكن يسببها .
إنسوا خالص
إنت دلوقت محبوس و مش هتقدر تعمل حاجة لكن ربنا يقدر
إنت سبت كل حاجة لله و هو إللى هيتصرف في شغلك و أهلك و مالك و كل حاجة ليك .

و قتها أخذت نفس عميق .
انا نسيت كل حاجة برة
انا الآن عاوز أستفيد من كل دقيقه هتعدى على
و بس .!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الباب كان مفتوحا ....
لذا كان الأمر سهل بالنسبه للمخبرين و لضابط أمن الدوله في دخول منزلنا للمرة الثانيه خلال أقل من شهرين( هو مفيش إلا بتنا في البلد دى؟!)
فيما بعد ...
و عند اول زياره لأبى لى في مزرعه طره قال لى و إبتسامه يملأها السخرية :
أنا عاوز إسيب مفاتيح البيت في المركز عشان لما أمن الدوله يجى المرة القادمة يدخل من غير إزعاج !!
قلت له : لو عاوز تسيب المفاتيح يبقى الأفضل تسيبها في امن الدوله مش في المركز ، لأن إللى هيجلنا البيت هما ضباط أمن الدوله مش ضباط المركز !!
نعود للدخول الثانى لأمن الدوله لمنزلنا المبارك ...
أخى نزل مسرعا ليجد المنزل ملئ بالمخبرين فأنتابه الغضب : إنتو مين ؟ و إيه إللى دخلكم من غير إذن !!
ــ إحنا أمن الدوله !
ــ يعنى إيه !! و ده معناه إنكم تدخلوا البيوت من غير إذن !
كان زميل أخى يجلس عندما دخلت هذه القوة المنزل لذا فإنه عندما علم انها أمن دوله طلب من الضابط أن ينصرف ، فأخذ الضابط البطاقه الشخصية منه ثم سمح له بالإنصراف .(البطاقه لم تعد إلا الآن )
و بدأ التفتيش .....
في البداية المخبر أنار وجهه فجأه : يا بية كتاب مكتوب عليه " التغييير طريق مصر إلى النهضه " !! و "و كأنه وجد منشورات "
نظر الضابط إلى الكتاب ثم قال له بغيظ : ياغبى دا كتاب مكتبة الأسرة ، مش شايف صورة سوزان مبارك ماليه ضهر الكتاب .
عندما اتخيل وجه الضابط الآن أعتقد أنه قد إنتابته الحيره ، فالكتب التى كنت أقرأ فيها في هذا الوقت لا يوجد منها كتاب واحد ينتمى للفكر الإخوانى ، و كانت كلها لرموز لجنه السياسات ( ثمن الإصلاح لعبدالمنعم سعيد عضو لجنه السياسات ، و التغيير لوحيد عبدالمجيد من حزب الوفد ، و تركيا نحو مستقبل أفضل لأحد الصحفيين ) لذا فإنه في الأحراز الخاصه بى كانت الأمور شديده الدراما .
فاالأحراز الخاصه بى كانت عباره عن (هارد محروق) و (مجموعه إسطوانات فارغه ) .
وقتها قلت لوكيل النيابه : يعنى أنا أحرازى هارد محروق و إسطوانات كمبيوتر فارغه ، طيب فين القضيه ؟؟؟ فين التهم ؟؟ فين الدلائل ؟؟
قال وكيل النيابه : أكيد في أحراز الشقه التى من المفترض أن الإجتماع قد تم بها .
قلت لوكيل النيابه : محضر تحريات أمن الدوله يدعى ملكية الشقه للدكتور أحمد عبدالرحمن في حين أنها ملك شخص أخر تماما أثبت هذا الشخص ملكيته لهذه الشقه ، إذا القضيه فشنك !!
محضر التحريات قدم مكان مختلف تماما و معلومات خاطئه .
وكيل النيابه : يعنى إنت عاوز إيه يادكتور أحمد ؟!! ماهو دا في صالحك مش ضدك .
قلت له : لو كان في صالحى إذا أفرج عنى الآن ، القضية طلعت فشنك .
قال لى : مينفعش .
قلت لوكيل النيابه يائسا : أفرج عنى عشان أمن الدوله المرة القادمة يقدم لك قضيه محترمه و يعمل تحريات مضبوط ، و نخليهم يركزوا شويه في عملهم !!
وكيل النيابه قال لى منهيا الحوار : يعنى إنت عاوز أمن الدوله يؤدى شغله صح !! معنى كده إنك هتروحوا ورا الشمس .
قلت في سرى : مفيش مكان دلوقتى ورا الشمس ، كل الأماكن خلصت خلاص ، و محدش لاقى مكان فاضى !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليلا............في أول يوم في الحجز .
أحد الإخوه نام واضعا رجل على رجل !!
هذا إستفز أحد الموجودين فقال له : حد ينام و هو في الحجز وهو حاطط رجل على رجل !!
إيه روقان البال إللى إنت فيه ده ؟؟
فقال له : و بالى ميكونش رايق لى ، دا المكان الوحيد إللى الواحد ميخفش فيه من أمن الدوله إنها تطب عليه فجأه عشان تعتقله !!
دلوقتى مفيش حاجة نخاف عليها .
قلت في نفسى : منطق يستحق التفكير !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما ذهب الضابط هشام فهيم لتفتيش منزل عمرو أيوب (أصغر المعتقلين سنا ) فإنه قام بالواجب وزياده !!
ذهب أولا إلى المحل الخاص بعمرو و أستولى على 7 أجهزة كمبيوتر ، بعدها إستولى على الموبيل الشخصى لأخوه وعندما ذهب إليه والد عمرو في اليوم التالى يشتكى له مما قام به أثناء التفتيش ، طلب من أخو عمرو أن يخبره بالرقم السرى للموبيل من أجل أن يفتحه و يحتفظ به !!
في الجانب الأخر .........
زوجه أحد الإخوه عانت بسبب إقتحام أمن الدوله للمنزل و هى وحيده فيه دون وجود احد معها من إنهيار عصبي !!
و ظلت لمده 3 أسابيع كامله تحت العلاج حتى إستطاعت بعد هذه الإسابيع الثلاث الذهاب لرؤيه زوجها الذى كان يمر بحاله حزن شديده عندما علم بماحدث لزوجته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليلا ...........و كل يوم
ظـللت اجلس لأفكر مابين ساعه إلى ثلاث ساعات كل يوم
عندما يغلق النور على الجميع .و يخلد الناس إلى النوم كنت أجلس مع نفسى
أفكر فيما مضى
ماذا فعلت و ماذا لم أفعل
لماذا فعلت ؟ و لماذا لم أفعل ؟؟
كنت أرى حياتى و هى تمر امامى كل ليله .
أحزن و أفرح و يملأنى الهم أحيانا .
لكنى كنت كل ليله تزداد لدى قناعات جديده و إكتسب مهارات جديده
فيما بعد إحتجت إلى الورقه و القلم لأدون كل مافكرت به .
وبعد أسبوع وجدت أن الكراسه الأولى قد إنتهت عن أخرها تماما فطلبت كراسه أخرى لتنتهى أيضا
هنا طلبت كشكول كبير الحجم و قررت أيضا أن أكتب الخطوط العريضه فقط لما أفكر به دون الدخول في التفاصيل .
كانت الدنيا كل يوم تزداد لدى وضوحا
و كانت رؤيتى للحياه تتبلور يوم بعد يوم
كانت رسالتى في الحياه و الأهداف الإستراتيجية الكبرى في قمة وضوحها كل ليله .
كنت أرى ما أريد فعله في السنوات القادمه رأى العين !!
و كنت أرى أخطائى التى مررت بها و كأنها خبرات مرت بشخص أخر و أنا يجب أن أستفيد منها .
و كل يوم ...
عندما كنت أعرض ما أفكر به على المحيطين بى كنت دائما أجد التشجيع و النصيحه .
"خلى بالك من كذا ، إوعى تتجوز إلا لما تكون عملت كذا و كذا .....، في شغلك أوعى تعمل كذا ..........."
كنت أجد تجارب من أحب في الحياه عند قدمى أقلب فيها كيف أشاء .
لذا فإنى مع مرور الأيام بدات أشعر أن حياتى بدون هذا الإعتقال لم يكن ليكون لها معنى !!
أن حياتى أعيد ترتيبها مرة أخرى داخل الزنزانه
و كان هذا يذكرنى بمثال كنت أذكره كثيرا ...
رجب طيب أوردغان
أعاد صياغه حياته السياسيه و طريقه تعامله مع الأمور بعد إعتقاله
الذى إستمر لمده أربع شهور
خرج بعدها ليؤدى مهمته بمنتهى الوضوح (لأن الرؤيه كانت في منتهى الوضوح )
خرج لينشئ حزب العداله و التنمية و يكتسح الإنتخابات
خرج من السجن فوصل إلى رئاسه الوزراء و أعاد تغيير حياته
و كذلك فعل يوسف من قبل
خرج من السجن ليكون على خزائن مصر
فرؤيته لحياته كانت واضحه
"إجعلنى على خزائن الأرض "
فهل أحقق ماخططت له داخل جدران الزنزانه و يتحول السجن إلى النقله الكبرى في حياتى ؟



السبت، فبراير ١٦، ٢٠٠٨

في 100 يوم فقط

في 100 يوم فقط

27/ 11 /2007 : القبض على 25 من محافظة الفيوم .
ليله العيد : القبض على 50 فرد ( خرج معظمهم ثانى أيام العيد )
يوم العرض على النيابة : القبض على 50 فرد ( خرج معظمهم نفس اليوم ليلا )
القبض على مجموعات من ألأفراد من مراكز مختلفه .
أخيرا : القبض على 19 من أعضاء الإخوان المسلمين .

طبعا أنا لن أؤكد الأخبار التى تقول أن هناك ثورة شعبية ستقوم من الفيوم و ان هذه الإعتقالات هى لمنعها !!
و لن أقول مثلا أن دماء الحرية جرت في عروق الشعب الفيومى الأصيل "فجأه " !!
ولكن
ما أستطيع تأكيده
أن الفيوم أصبحت من محافظات "الدرجة الأولى " !!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل مظاهرات التحرير بيومين علمنا في السجب نبأ إعتقال الدكتور أبراهيم الزعفرانى .
حزنا لذلك .
لكن هذه هى مصر .
لكن ما أن علم احد الشويشية بنبأ القبض على الدكتور أبراهيم إلا و إزداد بهجة و سرورا :
" بجد ، الدكتور ابراهيم إتقبض عليه !؟؟ يعنى هو جى هنا ؟؟""
قلنا له نعم قبض عليه بس ممكن ميجيش هنا .
بعدها _وكل نصف ساعه_يدخل علينا أحد الشويشية للتأكيد على خبر القبض على الدكتور ابراهيم و إذا كان سيأتى إلى هنا أم لا ؟؟
في صباح اليوم التالى عندما شعروا انه لن يأتى إلى المزرعه إمتلأت وجوههم بالحزن .
" أصل الدكتور ابراهيم ده حبيبنا ، دا عشرة عمر ، الراجل قضى أغلب وقته هنا معانا ، أخلاق إيه و معامله إيه ، دا راجل بتاع ربنا "
وقتها كان ذهنى يتفتح بشده لقيمة هذا الرجل الذى لم أقابله فى حياتى .
و عندما خرجت من السجن وجدته قد ترك لى رساله رقيقه هذه نصها :
أبنى البطل العزيز/ أحمد محسن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد ضربت المثال فى إجابيتك من
خلال مدونتك الرائعة فتح عينيك تم دفعت حريتك من أجل دينك وحرية وطنك ورفعة أمتك فكلماتك
لاتزال تتكلم بإسمك خارج السجن وإخوانك خارج السجن يحفظون عهدك ويحملون رسالتك حتى تخرج إلينا قريبا جدا بإذن الله لتكمل المشوار وتفى بالعهد الذى بينك وبين الله ، والى لقائنا القريب على طريق الجهاد
المحب فى الله ابراهيم الزعفرانى



الآن أنا في الخارج و هو الآن داخل أسوار السجن .
ربنا يصبره و يجعل هذه الأوقات في ميزان حسناته .
و يطلع عشان نكمل "فضيحتهم " كمان و كمان .


الأحد، فبراير ١٠، ٢٠٠٨

الحلقة الثانية : إعترافاتى امام وكيل النيابة


ليله الخميس و الساعه الثانية عشر و نصف ليلا .............
شوارع الفيوم تكاد تكون خاليه من المارة إلا قليلا .........
و البروده تأكل العظام .........
و أنا أخرج من مقر أمن الدوله بالفيوم أحمل حقيبة صغيرة بها بعض المتعلقات الشخصية ، و ا"البطنية " الخاصه بى التى أحملها منذ الليله الأولى من إعتقالى كى تقينى البرد .
أتقدم بخطوات ثابتة إلى الشارع الرئيسى ، ثم أنظر إلى مبنى أمن الدوله بالفيوم لكنى أقرر أن أكمل السير بصورة أسرع ، أوقف تاكسى ........رغم أنى في الحقيقه لا أملك و لا حتى 5 قروش في جيبى !
لكنى بكل ثقه أوقفت التاكسى و طلبت منه بثقه أكبر أن يوصلنى إلى المنزل الذى يبعد عن الفيوم حوالى 15 كيلو .
السائق كان يدير الكاسيت بصوت عالى و احد المغنيات كان صوتها يملأ أنحاء التاكسى ، طلبت من السائق أن يخفض من صوت الكاسيت ......وبعد برهه أضفت :
" مش معقول يكون لى 60 يوم في سجن طرة و في أول خروج لى أستمع إلى الأغانى "
نظر لى السائق بإندهاش لكنى تداركت الموقف : انا سياسى مش جنائي
و عندما شعرت أنه لا يفهم ماأريد قوله أضفت : أنا إخوان مسلمين مش حرامى يعنى .
فأضاف هو و ضحكة السخرية تملأ و جهه :و انا مخبر في لاظوغلى !
ضحكت و قلت : كل لاظوغلى حبايبنا و بيحبوننا في الله !؟
أسندت رأسى إلى الكرسى ، و أخذت وضع الراحه و أغمضت عينى .
و بدأ شريط الذكريات يمر أمامى .............
بعد برهه ..
فتحت عينى و نظرت إلى الطريق و قلت :
شكرأ ............أمن الدوله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت الخطوات الأولى لدخولى إلى مكتب وكيل النيابة بطيئة مرتبكة ،لكنى على الفور إستدعيت من الذاكرة مواقف أخرى مشابهه أمام المحقق في الكلية و أمام وكيل الكلية و أمام العميد و أمام نائب رئيس جامعه القاهرة ووضعتها كلها امامى و بعدها أخذت نفس عميق و بدأ التحقيق .

وكان أول سؤال : لماذا ألقى القبض عليك ؟
فقلت له : لأنى رجل كويس !
السكرتير الذى كان يكتب توقف عن الكتابة و نظر إلى عينى مباشرة .
قال و كيل النيابة : يعنى هما مبيقبضوش في البلد دى إلا على الكويسين ، إنت أكيد عملت حاجة ؟
قلت له : و القاضى الذى ضرب "بالجزمة " امام نادى القضاه ماذا فعل لكى يضرب "بالجزمة" ، أليس لأنه راجل كويس ؟
وكيل النيابة أخذ و ضع أكثر جديه في الجلوس و توجه إلى بالكلام قائلا :دا موضوع مختلف ، أنا في الأصل ضد مشاركة القضاء في المواقف السياسية ، القضاء سلطة مستقله و لا يجب عليه أن يكون طرف في أى صراع سياسي
قلت لوكيل النيابة : لكن مواقف القضاه لم تكن مواقف سياسية ، لقد كانت مواقف وطنية بإمتياز ، المواقف السياسية من الممكن أن نختلف فيها و أن يكون لنا أكثر من وجهه نظر أما في المواقف الوطنية فإن الكل يكون مجمع عليها .
وكيل النيابة : يادكتور أحمد ، القضاه سطلة مستقله مكانها قاعات المحاكم و ليس في النوادى أو في الشارع .
أجبت : لكن ما حدث في مصر حدث في أغلب دول العالم ، تدخل القضاء في الشأن العام سمه عالمية الآن ، الأزمة الدائرة الآن في باكستان هى بالأساس بسبب أن رئيس الجمهورية "مشرف" قام بإبعاد رئيس المحكمة الدستورية العليا و الشعب رفض مثل هذا التدخل لذلك وقفت كل قوى المعارضه في موقف وطنى أصيل ضد الرئيس ، حتى في أوكرانيا عند حدوث الثورة البرتقالية فإن القضاه في النهاية هم الذين قاموا بالدور الأكبر في إنهاء الإعتصامات و إظهار النتاتئج الحقيقية للإنتخابات ......و غيرها من الدول .
وكيل النيابة : أنا أتفق معك ، هناك مدرستان في القضاء المدرسه الفرنسية و المدرسه الإنجليزية ، أحدهما ترفض تماما تدخل القضاه في الشأن العام و الأخرى تقبل ذلك . لكن طالما أن الأمور كانت تسير بسلاسه و لا يوجد تهديد حقيقى للقضاه فأنا أرى أنه لم يكن هناك أى داعى لما قام به القضاه.
أجبت : لكن أن يجتمع 6 ألاف قاضى في جمعية عمومية طارئه قادمين من كافه أرجاء الجمهورية رغم بعد المسافه و مشقتها فهذا دليل على أن هؤلاء القضاه لديهم قناعه أن هناك "شئ ما خطأ" يحدث للقضاء في مصر .
السكرتير طوال هذا الوقت متوقف على الكتابة تماما و ينظر إلى بغضب ، و المحامى الذى يحضر معى يستمع إلى الحوار في سعاده بالغه و من أن لأخر أنظر إليه فأجده يبتسم لى مشجعا لى على مواصله الحوار .
وكيل النيابة : لو هناك "شئ ما خطأ " مثلما تقول فإن من يجب عليه التحرك ليس القضاه بل الشعب .
أنا "مستفسرا": بمعنى ؟
أجاب : بمعنى أن القضاء يجب أن يظل في هيبته و مكانته و المتضرر الحقيقى من أى شئ يمس القضاه_وهم الشعب_ عليهم بالتحرك و الضغط على السلطات الأخرى من أجل مكاسب جديده للقضاه تيسير لهم أداء مهتمهم على أكمل و جه .
أجبت : و من يزعم أن الشعب لم يقم بما عليه ، لقد وقف الشعب كله خلف القضاه ، إعتصام ميدان التحرير الشهير كان دعما للقضاه ، و المظاهرات التى ألقى القبض فيها على الآف المواطنيين ألم تكن دعما للقضاه ؟! حتى المواطن البسيط الذى لا يعرف السياسه و ألاعيبها كان موقفه واضح جدا في هذا الموقف ، هو مع القضاه إلى نهاية الخط .
عند هذا الحد من الحوار كنت قد بدأ حماسي يزداد و نسيت تماما أنى أمام و كيل النيابة للتحقيق معى و لست في جلسه مسائيه هادئه مع مجموعه من المثقفيين لمناقشة الشأن العام في مصر ، لذا فقد ظل الحوار من طرفى مستمرا :
أن مايحدث الأن من إعداد مشروع جديد للسلطات القضائية هو تخطيط من أجل إضعاف القضاء أكثر مما هو ضعيف ، هذا القانون الجديد الذى لن يرضى أى قاضى في مصر سوف يفرض في النهاية على الجميع حتى يسكت صوت القضاه .
وكيل النيابة : انا لم أطلع للأسف على القانون الجديد حتى أستطيع أن أكون وجهه نظر خاصه به .
أكملت : لست في حاجة لكى تتطلع عليه لكى تكون وجهه نظر ، القضاه في جميع أنحاء الجمهورية أعلنوا رفضهم لهذا القانون ، و هم أصحاب الشأن المعنيون به ، و معنى رفضهم للقانون الجديد أن هذا القانون هو أسوأ من سابقه !
وكيل النيابة محاولا أنهاء الحوار : دى وجهه نظر بس أنا مازلت متمسك برأيي بعدم مشاركة القضاه في السياسة .
قلت : هذا رأيك و انا أحترمه ، لكن أنا كنت فقط اوضح و جهه نظرى ، و هى ليست ملزمة لك بأى حال من الأحوال .
قال : أكيد ، بس كل الكلام ده ميفرقش مع الناس ، اول ماتش كورة للأهلى هينسى الناس كل الكلام إلللى إنت قلته دلوقتى يا دكتور أحمد .
قلت له : أكيد طبعا ، لأنى الناس بتجد أن تشجيعها للنادى الأهلى ووقوفها ورائها يؤدى في النهاية إلى حصول النادى الأهلى على بطولات ، يؤدى في النهاية إلى نتائج تبعث على الفرح ، و بالتالى فإن الأهلى يصبح أهم شئ في مصر الآن ، أهم من اى قضية سياسية أو أجتماعية .
أكمل وكيل النيابة : أحد المحاميين أقترح على القبض على أبو تريكة و أسامه حسنى عشان أصبح لهم دور كبير في التأثير على الشعب في مصر ، لو ترشح أحدهم في أى إنتخابات سوف يفوز بإكتساح .
قلت له مازحا : لو تقدر تتحمل دعوات الشعب المصرى عليك من جراء هذا الأمر فأفعل !! أنت هكذا تسلب الشعب المصرى المصدر الوحيد للفرحه .
أستمر الحوار بعد ذلك في نقط أخرى لمده ساعه كاملة 9 قبل أن نبدأ التحقيق بالفعل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحت عينى للمرة الثانية و نظرت إلى الطريق و أنا أبتسم :
كيف جاءت لى مثل هذه الجرأه أمام و كيل النيابة ، و في اول مرة !!
كان المفترض ان يكون الحوار عن الشأن الخاص بى فأنطقل إلى الشأن العام من أول كلمة .
نظرت إلى السائق و جدته منهمكا في القياده و لا يعيرنى أى أهتمام فأغمضت عينى مرة أخرى و بدأت في إستعاده الذكريات مرة ثانية .

الأحد، فبراير ٠٣، ٢٠٠٨

أســـوأ مــا فيها !!


المخبر يمسك بيدى بشده و يدفعنى بقوة لركوب الميكرباص الأبيض اللون ، و كنت قد حاولت إفهامه ان يخفف قليلا من قبضته لأنى لن أهرب منه باى حال من الأحوال ، و ان إعتقالى هو شرف لى ، و حاولت أن أهدأ منه قليلا لأنه كان سريع التنفس و الإنفعال في نفس الوقت ..............لكن كل محاولاتى ذهبت سدى !

و إنتهى بى المطاف أخيرا في عربة الميكروباص التى تبدو من الخارج ليس لها أى علاقه بالأمن من قريب أو من بعيد ، لكنها كانت في الحقيقة المكان الى يتم فيه تجميع من تم إعتقاله في هذا اليوم ، نظرت حولى فوجدت المقعد الذى يلى السائق يجلس فيه إثنين لم أرهم من قبل ، يبدو عليهما الضيق الشديد و الإنفعال ، واستمر الحوار الذى يبدو أنه قد إنقطع أثناء دخولى للميكروباص :

ــ يافندم انا مليش دخل بالناس دى ، و لا عمرى شفتهم !

ــ...........................................................

ــ يافندم أنا كان نفسى من زمان تقبضوا عليهم و تريحوا البلد من الإسلامجية إللى مليين البلد اليوميين دول ، انا مش عارف إنتو ساكتين عليهم ليه لحد دلوقت !

ــ.........................................................

ــيافندم انا راجل في حالى و إنت كده هتضرنى ، انا لسه راجع من برة مبقاليش أسبوعيين !

ــ(الضابط لأول مرة ينظر إليه منذ بدأ الحوار لكن دون أى كلام ) ..........................

ــ يافندم انا معايا جواز سفر اوربى ، و مقدم على جنسية أوربية ، إنتو كده هتعملوا مشاكل جامده عشان كلام فاضى لو الناس دى عرفت إنه إتقبض على !

ــ ( الضابط ينظر بإهتمام دون كلام أيضا ) .........................

ــ يا فندم طالما كده ، و إنت مش عاوز تعبرنى إدينى سجارة عشان "أعفر "!!!

ــإنزل ( أخيرا تحدث ضابط أمن الدوله )

ــ ماشى يابية

هنا يتدخل الشخص الأخر في الحوار

ــوانا يافندم مليش دخل بالناس دى ، أنا فلان الفلانى يبقى قريبى .

ــ و إنت برضه إنزل . و يلا مش عاوز أشوف و شكم هنا !!

أمام و كيل النيابة في اليوم التالى :

ــ إشمعنى إنت إللى إتقبض عليك يادكتور أحمد ؟

ــ لأنى مش معايا جواز سفر أوربي و مش قريب لحد كبير في البلد دى !

ــ أنت واضح إنك رايق ! انا مش فاهم حاجة .

فحكيت لوكيل النيابة عن هذه الواقعه ، وطلبت منه إثباتها في محضر النيابة فأجاب :

ــ إشمعنى دى إللى عاوز تثبتها !! عديها يادكتور أحمد مش هتفرق كتيير .

و قتها بلعت ريقى فشعرت ان طعمه قد أصبح "مرا" على غير العاده .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عربة الميكروباص تقف أمام مركز شرطة سنورس و تقذف بكل من بداخلها داخل السجن ، و يبدأ التعامل ينتقل من ضباط أمن الدوله إلى الضباط المناوبيين في المركز في هذا اليوم ، و لأن المركز مجهز لإستقبال اللصوص و المجرميين و أصحاب السوابق فإن الضباط في المركز لم يستيطعوا أن يجدوا فارقا بين التعامل معنا و بين التعامل مع الأصناف الأخرى التى ترد على المركز .

لم يستطيع الضباط التفريق بين المقبوض عليه بتهمة جنائية و بين المقبوض عليه بتهمة سياسية لتصفية الحسابات و إغلاق ملفات تسبب صداع في رأس النظام .

لم يستطع التفريق بين اللص و المرتشى و بين مجموعه بها أستاذ بالجامعه و 2 أطباء و 7 محاميين(أحدهم متخصص في شئون المعتقليين السياسيين ولديه خبرة في هذا المجال تزيد على 15 سنه ) و 7 مدرسيين و غيرهم .

في البداية كان رفض دخول أى بطاطين للتدفئة علما بان هذ كان يوم 27/11 و في وقت كانت الشتاء قد بدأت ترسل رسلها لتبشر بالقدوم ، و السجن كان شديد البروده لدرجة لا تصدق ، و لم نجد أى مانع يمنع دخول البطاطين غير التعنت .

بعد قليل (حوالى 5 ساعات ) سمح بدخول البطاطين لكن منع دخول أى طعام جاء به الأهل أو المعارف غير الطعام الذى أشترته إدارة السجن . أمام الملابس التى جاء بها الأهل لذويهم فلم نعلم مكانها حتى الآن و بالطبع لم نجد سببا لمنع البطاطيين غير التعنت أيضا !

طريقه التعامل معنا أشعرتنى بأننا مواطنون من الدرجة الثانية او الثالثه .

"انت مقبوض عليك

و انا الضابط هنا

أنت تسير حسب ما أريد لا حسب ماتريد .

أنا الذى أقرر و أنفذ و أنت لا يجب عليك أن تشتكى أو ترفع صوتك بالإعتراض . "

في صباح اليوم التالى ............

و أثناء إنتظار عربة الترحيلات التى ستنقلنا إلى نيابة أمن الدوله قام الضباط بوضع "الكلابشات " في أيدينا قبلها ب3 ساعات كامله .

في أثناء ذلك أراد فرد منا الدخول إلى الحمام لقضاء حاجته فقام العسكرى بالتهرب منه و أخذ المفتاح الذى يستطيع من خلاله فك القيد .

و ظل السؤال يتردد : أين الشاويش الذى معه المفتاح ؟ دون إجابة واضحه .

هنا تقدمت إلى مجموعه من الشويشية الجالسين في الشمس و قلت لهم :

هل يرضيكم أن لا يستطيع طبيب و محام ان يذهبوا إلى الحمام لأن زميلكم يريد أن يريح نفسه و يكبر دماغه ؟

إحنا مش مجرميين

إحنا معانا أستاذ في الجامعه و دكاترة و محاميين

مش معقوله كده !!

حد يشوف الراجل ده فين !!

و أخير تحركوا للإستدعاء زميلهم الذى جاء و على و جه علامات القرف .

و قتها بلعت ريقى فشعرت ان طعمه قد أصبح "مرا" على غير العاده .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

داخل مزرعه طرة .................

للشاويش الكلمة الأولى و الأخيره .

هو المتحكم في سير الأحداث داخل الزنازين ، سواء شئت هذا ام أبيت .

هذا الشويش الذى ربما لا يجيد القراءة و الكتابة هو الذى يتحكم في مجموعه بها كل الفئات المثقفه و أصحاب الفكر في مصر .

باب الغرفه لا يفتح إلا بعد إذن الشويش و لا يغلق إلا بموافقته أيضا !

عندما تريد الحركة بحرية داخل السجن تجده يقف لك بالمرصاد :

ممنوع السير في هذا الإتجاه

ممنوع الحديث مع فلان

عفوا يجب ان أغلق الغرفه الآن عليكم .

عفوا لا يمكنك فعل كذا و كذا

أن تجد أن شاويش هوالمتحكم في الأمر داخل السجن ليس مستغربا في مصر على كل حال ، فامين الشرطة خارج السجن هو المتحكم في الأمور أيضا ، أمين الشرطة يستطيع الآن أن يرهب من يشاء و أن يبتز من يشاء رغم أنه في النهاية أمين شرطة !!

لكم حزنت عندما كنت أرى مثل هذه المواقف .

رغم أنى على المستوى الإنسانى أتعاطف جدا مع الشاويش المحبوس مثله مثلى تماما داخل عنبر السجن و لا يستطيع أن يتنفس دون أن ياخذ أذن من سيده " أقصد ضابط الشرطة بالطبع " و الذى يخاف من ظله .

لكن للأسباب السابقه أجد أن طعم المراره يزداد في حلقى !!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليس معنى قولى أن أفضل أيام حياتى قضيتها و انا داخل السجن انها كانت أيام بلا مرارة أو بلا تعب .

هذا كلام لا يمكن تصوره داخل السجن .

و لا يمكن تصوره في هذه الحياه .

يمكن تصوره فقط في الجنه .

و إلى الآن لم ندخل الجنه بعد .

( أتمنى من الله ان يجمعنا فيها جميعا )

لكن ما يمكن قوله في بساطة :

أن كمية التعب و المرارة التى مررت بها يمكن التغاضى عنها او إعتبارها الضريبة التى يجب ان أدفعها من أجل قضاء الوقت بإستفاده كبيرة .

ورغم حلاوة هذه الأيام بالنسبة لى إلا أنا هذا لا يعنى أنى أود رجوعها بأى حال من الأحوال .

على العكس تماما .............

فإن معنى الحرية التى كنت أتكلم عليها كثير فيما مضى أضيف إليه بعد جديد

كنت أتحدث عن الحرية السياسة

و حرية إنشاء الأحزاب

و حرية التعبير

و غيرها من الحريات

الأن أضيف إليها الحرية في أبسط صورها :

أن تستطيع أن تغلق باب غرفتك او تفتحه بناء على رغبتك و ليس رغبه الشويش !!