السبت، مايو ٠٥، ٢٠١٢

الحلم التركي

الحديث عن تركيا من أكثر المواضيع رواجا خلال الخمس سنوات الماضية في مصر و العالم العربي ، و أوردغان أكثر زعيم يحبه العرب رغم أنه ليس عربيا طبقا لأحد استطلاعات الرأى التى تمت من ثلاث سنوات تقريبا !! و الولع بتركيا يشمل كل شئ تقريبا ...
يبدأ بالسياسة و الاقتصاد ...لكنه لا ينتهى عند السياحة و المسلسلات .
وفي و قت من الاوقات كنت جزء من هذا " الهوس "بتركيا ،و كتبت كثيرا عن تركيا وخاصة عن "مولانا عدنان مندريس " و عن حزب العداله والتنمية . وربما كان السبب في ذلك أننا كنا و قتها في حاله "عدم الفعل " وتحت نظم استبدادية ، و كانت تركيا قد انطلقت في طريق الديموقراطية و الحرية المصحوب بتقدم اقتصادى و تنموى فكانت في وضع "الفعل " و كنا متفرجين !
بعد الربيع العربي ...
اختلف الوضع ..
الثقة المفقودة للشعوب العربي عادت إلى حد كبير فى أننا قادرين على الفعل والانجاز ، و أن غيرنا ليس بافضل منا على كل الاحوال ، و انه اذا طبقت  الشروط تحقق الانجاز  . لذلك فقد بدأ الجميع في اعاده النظر في ما حوله .
هذه التدوينه ليس الهدف منها أن تركيا ليست جيده ، و انها لا تصلح لكى يكون نموذجا يقتدى بها ولكنها تقول أنه حتى أكثر التجارب نجاحا و رواجا هناك ما يعكر صفوها ، و انها ليست بهذه المثالية التى نظن ، و أن العيوب التى في هذه التجربه-التى نتغافل عنها- كثيرة ، و أن هناك أكثر من 40% من الأتراك لم يصوتوا لحزب العداله و التنمية التركي في الانتخابات البرلمانية رغم ماقدم خلال عشر سنوات لتركيا و بعد أن وضعها في الدول العشرين الكبرى على مستوى العالم !

اسطنبول,,,,القاهرة
يغلب الحديث عن القاهرة بنغمه يملأها الحزن على التاريخ الطويل و الماضي الزاهر الذى فقد بريقه الان ، عن المدينه التى "كانت " لكنها لم تستطع الان أن "تكون " . هذه النغمه من الشجن و الأسى على القاهره غالبه على أغلب من كتب عنها و هو محب لها .
فهل اختلف الوضع في اسطنبول ؟
اسطنبول تقع على مضيق الباسفور ، و القاهرة تقع على نهر النيل
لأورهان باموك (كاتب تركى حصل على جائزة نوبل في الاداب عام 2006 –بعد نجيب محفوظ ب8 سنوات ) كتاب عن اسطنبول اسمه "اسطنبول :الذكريات و المدينه"  يتحدث فيه عن أحياء اسطنبول و أماكنها و جوها ، يتحدث في هذا الكتاب عن مشكله "الكلاب الضاله " التى تملأ شوارع اسطنبول و التى تضايق الماره ، و عن محاوله الأتراك المره تلو الأخره القضاء على هذه الظاهره دون جدوى، وعن محاولات عدد من السلاطين العثمانيين التعامل مع هذه المشكله بالجد الكافي من أجل حلها دون أى نتيجة . الأحياء القديمة الفقيرة المهمله أحد أهم سمات اسطنبول –كما يعرضها باموك- التى لا تفارق المدينه ، لكن هذه ليست وجهه نظره فقط ، بل أنه يرجع إلى  مجموعه من اهم الرحاله الغربيين و ينقل عنهم و صفهم لهذه الأماكن في القرن التاسع عشر، ثم باموك لازال يتحدث عنها في نهاية القرن العشرين ، بل أنه ينقل وصف هؤلاء الرحاله للمقابر التى يعيش فيها الناس وهم في  فرح و سرور ( هل ذكرك هذا بشئ ما ؟!)و لا تزال موجوده في اسطنبول . يجب هنا أن أذكر القارئ أننا نتحدث عن اسطنبول وقت أن كانت عاصمة الخلافه العثمانية التى كانت تحكم جزء كبير جدا من العالم  (القرن التاسع عشر )، و نتحدث عنها في نهاية القرن العشرين بعد عمليه تحديث استمرت أكثر من 80 سنه .
الحرائق التى تشب في اسطنبول دون سبب و لا تنطفئ إلا بشق الانفس و لا يعلم من ورائها و لم تفكر الدوله في علاجها أحد أهم الظواهر التى تميز اسطنبول ( أعيد السؤال : هل ذكرك هذا بشئ ما ؟!).
لكنى لا أريد ان أقول بالطبع أن اسطنبول مدينه سيئة إلى هذه الدرجة ، لأن كل من زارها سوف يدافع عنها باستماته محاولا اثبات العكس . لكن سوف اسأل أيضا : اسطنبول مدينه شرقيه أم غربية ؟
هل هي جزء من أوربا وروح المدن الأوربية ، أم أنها لا زالت متمسكة بالروح الشرقيه و الانتماء إلى الحضارة الاسلامية ؟ هل تنظر اسطنبول إلى الشرق أم تنظر إلى الغرب ؟
هذا السؤال عن هوية المدينه يمكن أن أسأله ايضا –بدرجة حده أقل – عن القاهرة التى يوجد بها الأزهر الشريف ويوجد بها في نفس الوقت أكبر حركة ثقافية وفكرية في الوطن العربي تحاول أن تنظر إلى الغرب و تنقل عنه  وسوف يحتاج المجيب إلى و قت كى يجيب .

العداله و التنمية
في عام 2010 قام حزب العداله و التنميه التركي  بأجراء بعض التعديلات في الدستور من خلال استفتاء شعبي ، كانت هذه التعديلات تهدف إلى تعزيز الحريات و تحجيم دور الجيش في السياسه و محاوله تقنين وضع المحكمة الدستورية العليا و وضع تركيا على طريق الانضمام إلى الاتحاد الاوربي ، و قد أضطر الحزب وقتها لهذا الاستفتاء بعد أن وافق عليه البرلمان بأغلبية بسيطة فأضطر إلى تقديمة في استفتاء شعبي ، و كانت النسبه المؤيده لهذه التعديلات في الاستفتاء 58% فقط !
الإضافه التى أود التنوية عنها أن الاستفتاء كان على المواد المراد تعديلها ككل ، فأما أن تقبل بها جميعها أو ترفضها جميعا ، و الرفض كان يعنى وقتها أنك تريد أن يظل الدستور القديم كما هو بما فيه من عيوب .و كانت هذه المرة الثانية التى يعدل فيها الحزب الدستور بعد التعديلات التى أدخلها عليه عام 2007 و وافق عليها الأتراك بنسبة 69% بعد معركة سياسية عنيفه .
في المرتين كانت القوى المعارضه للتعديلات ترى أن الحزب أنفرد بالتعديلات الدستورية ، و أنه بعد أن قام باعدادها منفردا ودون الرجوع إلى أى من القوى السياسية أو الأحزاب الموجوده على الساحة  قام بعرضها على الشعب و كان من المفترض أن يشارك الشعب من البداية في اعداد هذه التعديلات ، هذه الملاحظات –عن كيفية اعداد الدستور -لم تذكرها الاحزاب فقط ، و لكن ذكرتها عدد من النقابات و القوى العمالية الغير مسيسة. 
. فوجئت -ايضا_بأن هذا البرلمان كان يناقش مسلسل فاطمه الذى يذاع الان على عدد من القنوات العربية و مشهد الاغتصاب الذى تم تصويره و هل يتناسب مع القيم و التقاليد التركية أم لا ؟ .
إذا كنت من محبي أوردغان فأود أن أخبرك بأن أعدائه السياسيين يقولون عنه أن شخصية "مستبده " و لا "يقبل غير رأيه هو فقط " و أنه ديكتاتور  . وصدق أو لا تصدق : تسلم أوردغان جائزة القذافي لحقوق الانسان عام 2010 في طرابلس من العقيد القذافي !!
وهى الجائزة التى عرضته إلى انتقادات  شديده ، فكيف يقبل جائزة باسم القذافي في مجال حقوق الانسان و القذافي في الاساس لا يحترم حقوق الانسان في بلده ؟!
لو قرأت ماذا يكتب الاكراد عن أوردغان و كيفية تعامله معهم فأنت تقرأ عن "سفاح " طبقا للروايات الكردية !! فهو مسؤل سياسيا عن العمليات العسكرية التى يقوم بها الجيش ضد الاكراد و التى يقول الاكراد أنها غير انسانية .
هل كل ماذكرته لك الان عن حزب العداله و التنمية غير من قناعتك ولو بالشئ اليسير ؟
تركيا كانت في عام 2001 تعانى من أزمة مالية خانقه ،
و في عام 2003 جرت الانتخابات البرلمانية التى حصل فيها حزب العداله و التنمية على 34% من الاصوات
 في الانتخابات المحلية التى تليها عام 2004 حصل على 42 % من الاصوات ،
 عام 2007في الانتخابات البرلمانية حصل الحزب على 46% من الاصوات ،
 في المحليات 2009 حصل على 38% من الاصوات ،
وفي أخر انتخابات برلمانية عام 2011 حصل على 49% من الاصوات.
أى أن الحزب من عشر سنوات تقريبا يعتبر هو الحزب الحاكم باكثرية نيابية مريحة ، واستطاع خلال هذه العشر سنوات أن يجعل تركيا من ضمن الدول العشرين الكبرى على مستوى العالم و أن يصل بمعدل التمنية إلى 9 % سنويا ، وفى السياحة تركيا من ضمن أهم 20 دول على مستوى العالم من حيث عدد السائحين و من حيث الدخل التى تحصل علية تركيا من جراء السياحة.  !
لكن كل هذا لم يشفع للحزب عند 50 %من المصوتين في الانتخابات البرلمانية الأخيره  من أجل ان يصوتوا له ، و ذهبت أصواتهم إلى احزاب أخرى ؟!

الحلم \السراب
الان لو تولدت لديك فكره أنى أحاول أن أشوه "النموذج التركى " من خلال هذه التدوينه فأحب أن اوضح لك أن هذا غير صحيح تماما ، فلازلت معجب بالتجربة التركية على المستوى الاقتصادى و السياسي و الاجتماعى و أرى أن لها تأثير واضح فيما يجري الان من تشكل أفكار و أنظمة في العالم العربي .
لكنى أود أن أذكر الجميع بأن :  "الحب أعمى"
و أن لكل تجربة مميزاتها و عيوبها
و أن مايصلح هناك قد لا يصلح هنا بالضرورة ،
و أن نقل المسطرة من هناك إلى هنا لا يجدى
و اننا لا يجب أن تظل أعيينا معلقه على مضيق الباسفور و نحن لدينا وادى النيل !