الأحد، يونيو ٢٤، ٢٠٠٧

أن تكون "إسلاميا" ....معارضا للنظام



لقد ترسب عند قطاع كبير من الناس أنه لا يمكن الجمع بين ان تكون إسلاميا "بمعنى أنك تتبنى الحل الاسلامى للمشاكل التى تحيط بنا و تسعى للتحقيقه "و ان تكون في نفس الوقت معارضا للنظام الحاكم .ترسبت هذه الفكرة حتى صارت أشبه بالمسلمات التى لا يمكن مناقشتها . و الأسباب تختلف من شريحه إلى أخرى ، فعند إصحاب التدين التقليدى لا مكان لمعارضه الحاكم أو مناقشته فيما يفعل نتيجه لفهم خاطئ لعدد من النصوص الإسلاميه الى تحدثت عن و جوب "السمع و الطاعه" لولى الأمر في المنشط و المكره،حتى لوكان ولى الأمر هذا "عبدا حبشيا "، و كان من نتيجه ذلك الفهم الخاطئ ان تبنى عدد كبير من الدعاه مقوله عامه تبعد الدين ليس عن معارضه الحاكم أو حتى مناقشته فيما يفعل بل و تبعد الدين ككل عن السياسه بصفه عامه رافعه شعار "لعن الله ساس ...يسوس ...سياسه " !!
وعند فئه اخرى من الناس يرجع ذلك الربط بين إبعاد الإسلام عن المعارضه إلى مفهوك خاطئ يربط بين الإسلام و بين الصلاه و المسجد و الذكر و الدعاء و الأخلاق الحميده فقط .ولا تجد هذه الفئه أن هناك أى رابط بين الإسلام وبين أمور السياسه و الإقتصاد و الإجتماع . ورغم تشابه هذه الفئه مع المجموعه الأولى إلا أن هناك فارق أساسي بينهم أن الفئه الأولى تولدت عندها الفكرة الخاطئه بسبب فهم خاطئ للنصوص القرانيه و الأحاديث النبويه ، أما الفئه الثانيه فإنها من الأصل لم تطلع على هذه النصوص من الأساس لكن تولدت لديها هذه القناعات بسبب ما تراه من تطبيق عملى على أرض الواقع يحصر الدين في مجموعه ضيقه من العبادات و الأخلاق .
لكن هل صحيح انه لا يمكن أن تكون "إسلاميا" و أن تكون فى نفس الوقت معارضا ؟
و هل كان هناك فى تاريخ الإسلام نماذج لمعارضيين سياسيين كان لهم دور بارز في الحياه السياسيه ؟

هل قال الصحابه "لا" للرسول (ص) ؟
ارجو ألا يكون السؤال صادما لمشاعر البعض ومهيجا لها ، فهذا مالااريده الان من خلال هذا النقاش ، و لكنى أريد أن أطرح فكره هل :عارض الصحابه رضوان الله عليهم أجمعين الرسول صلى الله عليه و سلم ؟
والإجابه بالقطع لآ، نعم لم يعارض الصحابه الرسول صلى الله عليه و سلم عندما كان كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عن العبادات و الخلاق و التشريع الإسلامى ، لم يخرج فى يوم من الأيام صحابى يعلن رفضه للصلاه ، او لخلق الصدق ، أو للصيام . بل إنه كان سباق بين الصحابه رضوان الله عليهم أجمعين من أجل تنفيذ أوامر الرسول صلى الله عليه و سلم طالما أن هذه الأوامر هى وحى يوحى من عند الله سبحانه و تعالى و تتعلق بالتشريع لهذه الأمه . لكن الأمر كان يختلف عندما كان الحديث يتطرق إلى أمور السياسه أو الحرب ، عندما يكون المجال قابلا لإبداء وجهات النظر ، و الرؤيه و عكسها و بمعنى أخر عندما يخرج الموضوع من نظاق الوحى و السماء إلى نظاق (الرأى -الأرض )
هل لنا من موقف يدل على ذلك ؟؟
نعم ، هناك عدد كبير من المواقف نبدأ بموقف يوم بدر
1)قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحُدثت عن رجال من بني سلمة ، أنهم ذكروا ‏‏:‏‏ أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل ، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ بل هو الرأي والحرب والمكيدة ، فقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله ،"
فإن هذا ليس بمنزل "، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ، فننزله ، ثم نُغَوِّر ما وراءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ، ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لقد أشرت بالرأي ". أنا لن اقوم بالتعليق على هذا الموقف و ساكتفى فقط بان أثير إنتباهك إلى معنى الكلام الذى بين القوسين "فإن هذا ليس بمنزل".
‏‏2)في قضيه الأسرى بعد غزوة بدر كان هناك فريقان : فريق يضم الرسول صلى الله عليه و سلم و أبو بكر الصديق و هو يتبنى رأى أخذ فديه عن أسرى المشركين في غزوة بدر حتى يستفيد المسلمين من هذا المال لخدمة الإسلام بيما كان رأى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن يقتل الأسرى حتى تكون رساله شديده اللهجه إلى قريش بأن المسلمين لا يخافون في الله لومه لا ئم .و جاء الوحى موافقا لرأى عمر بن الخطاب !
3) أما الموقف الأكثر خطورة في رأى فهو حديث طويل يتحدث على أنه بعد أن إنتهى الرسول صلى الله عليه و سلم من توزيع الغنائم على الصحابه قام أحد الأعراب ليقول لرسول الله أتق الله يا محمد و اعدل في قسمتك . و هو كلام فيها إتهامات مباشرة للرسول صلى الله عليه و سلم الذى أختار الله لتبليغ الرساله الخاتمه . فما كان رد الفعل ؟
عمر بن الخطاب طلب من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأذن له ليقطع رأس هذا المنافق . لكن الرسول لم يأمره بذلك بل تركه و قال أنه من نسل هذا الرجل سيخرج قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الفريسه . هنا رسول الله أقر مبدأ المعارضه حتى لو كانت للرسول ، و أقر أيضا أن هذه المعارضه ربما تسبب الكثير من المشاكل في المستقبل إلا أنه أصر على أن يبقى عليها لا أن يستئصلها من بدايتها ، و في هذا دروس و عبر للمسلمبن من بعده صلى الله عليه و سلم .
أكتفى هنا بهذه المواقف فقط و إن كنت أملك أكثر من موقف يدعم رأى في أن المعارضه بدأت و نشات من عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم .

المعارضه بعد الرسول (ص)
هل أستمرت فكرة المعارضه بعد و فاه الرسول صلى الله عليه و سلم أما أن تعامل الخلفاء الراشدين معها أختلف ؟
أنا هنا أورد قصه هامه جدا أكتشفتها من خلال بحثى في هذا الموضوع و كانت أول مرة أقرأها و هى تمثل قيمه هامه جدا في فكرة المعارضه في الإسلام
»عن عبد الله بن زياد الأسدي قال: لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي، فقدما الكوفة، فصعدا المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن، فاجتمعنا إليه، فسمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي« وفي رواية: ».. فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها« وفي رواية أخرى »إن عائشة لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكنه بلاء ابتليتم«وفي أخرى: »فقال عمار: إن أمير المؤمنين بعثنا إليكم لنستنفركم، فإن أمنا قد سارت إلى البصرة … « »وفي لفظ ثابت : "أشهد بالله إنها لزوجته... و»عن عمرو بن غالب: أن رجلا نال من عائشة عند عمار، فقال [عمار]: اغربْ مقبوحا، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟«.
قال الحافظ ابن حجر: »و
مراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي، وأن عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام، ولا أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. فكان ذلك يعد من إنصاف عمار وشدة ورعه وتحريه قول الحق« »وقال ابن هبيرة: في هذا الحديث أن عمارا كان صادق اللهجة، وكان لا تستخفه الخصومة إلى أن ينتقص خصمه، فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من الحرب«\.
فعمار بن ياسر رضى الله عنه رغم علمه بالمكانه التى تمثلها السيده عائشه فى قلوب المسلمين و انها زوجه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا إنه لم يرى أى مانع فى ان يعلن بوضوح شديد و بلا أى لبس أو مواره أن رايها "خطأ" و أنه رغم ذلك يكن لها مكانتها و يحترم رأيها .

المعارضة المنظمه
أما الظهور الحقيقى للمعارضه المنظمه فى الإسلام فإنه يمكن التأريخ لبدايتها بالفتنه الى حدثت فى عهد على رضى الله عنه و اكن أبررز فصيل سياسى يتبنى نهج المعارضه هم الخوارج . فالخوارج هم أول فصيل سياسى منظم يتنبى المعارضه منهج في التعامل مع السلطه الحاكمه ، بل إنهم بالإضافه إلى ذلك تبنوا التغيير المسلح كمنهج للتغير لكن كل ذلك لم يمنع على بن أبى طالب بأن يتحدث عن بعض المزايا التى تحلوا بها و أن يقر لهم حقهم في المعارضه "حتى لو كانت مسلحه " و ان يكون لهم تواجد و نشاط بارز في الساحه . فلقد كان هناك جو عام يتقبل فكرة أن يكون هناك رأى و رأى أخر
و رغم أن البعض يزعم أنه بعد هذه الفتره من تاريخ المسلمين لم يخرج بعد ذلك على الساحه السياسيه أى نموذح حقيقى للمعارضه التى لديها برامج و أهداف محدده و تسع لتحقيقها إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك . فرغم أنه لم تتواجد بصفه مستمرة قطاعات منظمة تتبنى فكرة المعارضه إلا أنها فكرة المعارضه طلت موجوده طوال الوقت في عدد كبير من الأفراد و إن لم تأخذ الصفه النظاميه . و عندما كانت تأخذ الصفه التنظيميه فإنها غالبا ما تبنت أسلوب التغيير بالقوة . لكن هذا لا يمنع من ان تظهر مشاهد باهرة في تاريخ الإسلام قلما تكررت في أى بقعه من العالم كان أبرزهاالعالم الربانى و لمعارض السياسى البارز "
العز بن عبدالسلام "، فهو ظل معارضا شرسا للنظام طوال مده بقاءه في الشام يعارض سياسه الأمراء التى تحابى الصلييبين أعداء الأمه الإسلاميه على حساب المسلمين فكان من نتيجه ذلك أن أخرج من الشام إلى مصر . لكنه عندما جاء إلى مصر لم يتنبى نظريه معارضه أمراء الشام من خلال مصر دون التدخل في شئون مصر كما يحدث الآن كثيرا ، لا بل إنه أصر على أن يكمل مشواره السياسى الذى بدأه من أجل إصلاح النظام السياسى للحكام القائمين على شئون المسلمين فكان أن أجبر المماليك "وهم حكام مصر" أن يباعوا و يشتروا في أسواق العبيد !
و أنا أتمنى أن نتعامل مع هذا الموقف بالكثير من الرويه لنرى مدى ما و صلت إليه سطوه العز بن عبدالسلام السياسيه لدرجه أن حكام البلاد لم يستطيعوا إلا الرضوخ لمطالبه التى يتبناها و لم يجدوا أى و سيله للهروب من ذلك .
في النهايه فإنى اتفق مع القائلين بأن الحياه السياسيه كانت أقل المسارات التى تطورت في الحضارة الإسلاميه بالمقارنه بالمسار الفكرى أو الثقافى أو الفلسفى و أننا في حاجه بان نسمح لها بالنمو و الترعرع حتى تخرج لنا نماذج باهرة مثل تللك التى خرجت من المسارات الأخرإلا ان هذا لا يمنع من وجود نماذج متطورة في الشأن السياسى الإسلامى تصلح كبدايه نبدأ من عندها .


هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

والله وكانك قرات مافى قلبى فأخرجته فى ابهى صوره فكم من المرات كنت احور احد الفريقين وتخونونى الكلمات ان اعبر لهم عن رأيى بصوره صحيح تقنعهم بفكرتى عن المعارض المتدين ولكن اعتقد الان ما على سوى ان ادلهم على هذا المقال
جزاك الله كل خير على هذا المقال الرائع