السبت، يونيو ١٩، ٢٠١٠

خارج نطاق الخدمة


قبل أن أبدأ:

إمام باب تجارة  بجامعه القاهرة ، كان يقف 

و أمام احد محلات تصوير الأوراق كان ينتظر صديقه.

بعد المغرب بقليل ، و الطلبة إعدادهم بالمئات ، و البعض  يبحث عن غايته ،و الأخر في انتظار طلب من محل طعام ، أو في انتظار تصوير أوراق ، أو جالس على قهوة يمضى وقته ، أو يقف لفرجة على المارة ........كوكتيل من البشر صغير السن . 

و عامل القمامة الكبير في السن يتقدم بزيه المميز بهدوء من محل مخبوزات ليطلب شراء "قرصه "،

يترك العربية التي يدفعها إمامه على جانب الطريق متأكدا من أن لا أحد سيفكر بسرقتها و الفرار بها .ويدخل المحل واثق الخطى .

وبعد ان ينتهى من الشراء

يخرج من المحل 

و يقسم "القرصة " نصفين

يضع النصف الأول في جيبه

و الأخر يذهب به إلى رجل فقير يستند على حائط ، حالته سيئة جدا و ثيابه رثه هو يطلب منه  أن يدعو له ، فيرد عليه : ربنا يزيدك من نعيمه و  يحبب فيك خلقه و ميحوجكش لحد أبدا !!

انتهى 

الموقف الأول :

كنت في بداية عملي امضي أول شهرين في قسم الجراحة و الطوارئ أثناء فترة الإمتياز ، و في يوم شديد الحرارة جاء إلى المستشفى التي اعمل بها ( ولا داعي لذكر اسمها ) مصاب صغير السن ( 5 أو 6 سنوات ) صدمته سيارة طائشة على الطريق ثم فرت هاربة ، و يبدو من شكله أنه أحد أطفال الشوارع ( وهكذا اخبرنا من احضروه إلى المستشفى ) ، ولا أحد يعلم اسمه و لا مكان سكنه و محل إقامته. و من احضروه اخبرونا أنه أحد أطفال الشوارع ولا احد يعلم عنه شئ ،  وكان هذا الطفل المصاب في حالة شديدة السوء ......حاول معه النائب المتواجد في قسم الجراحة أن يقدم له بعض الإسعافات الأولية لكنه وجد أن حالته شديدة السوء ، و في حاجة إلى تواجد الأخصائي ، لكن الأخصائي لم يكن متواجد في المستشفى ، كان في عيادته الخاصة يحاول أن يحسن من مستواه المعيشي !

فكان قرار الطبيب النائب المتواجد في القسم أن يترك الطفل كما هو إلى أن يموت في سلام To Die In Peace )!)؟؟

أغرب قرار يمكن أن يتخذه طبيب !

ولأنى لا أملك من العلم و لا من القدرة على تقديم أى مساعده لهذا المريض فقد  حاولت مناقشه الطبيب في هذا القرار ، فكانت الإجابة ( الشديدة البساطة – و الصادمة ) ان هذا المريض في حاجة إلى عناية و مستوى طبي معين غير موجود في المحافظة التي اسكن فيها ، و بالتالي فإنه حتى على فرض أن الأخصائي موجود فإنه لا يملك من الخبرة و العلم ما يعينه على التعامل مع مثل هذه الحالات ، و حتى لو كان يملك الخبرة و العلم فإن المستشفى لا تملك الإمكانيات و الأدوات التي تساعد هذا المريض ، فأما أن يذهب هذا المريض إلى مستشفى خاص لديها امكانيات مادية و بشريه لعلاجه لكنه بالتأكيد لن يتحمل المقابل المادى لها أو  أن ندعه يموت بسلام !  

هذا الموقف يمكن أن يحدث لأي شخص منا _عافنا الله و إياكم _ فهل لأننا فقدنا هويتنا وأسمائنا نفقد حقنا في الحياة " الذي هو أهم حق لك " ، و لماذا لا يكون هناك نظام فعال و قوى من الإدارة و من المجتمع نفسه يكون قادرا على اكتشاف الأخطاء و تقديم الحلول لها .ودافعا نحو سد الفجوة بين ما هو موجود و بين ما هو مأمول من خلال ما هو متاح ! 

 أم أن هذه الفئة خارج نطاق الخدمة ؟!

الموقف الثاني :

وكنت وقتها في المنيا ( محافظة في شمال الصعيد ) وجائنى هاتف من صديق لي هناك أن معه مبلغ من المال و أنه سوف يذهب إلى أحد من يعرفهم في مركز ملوي بالمنيا لتوزيعه على الفقراء ، فهل أنت راغب في المشاركة ؟

كانت أجابتى : بالإيجاب ، و هكذا جهزت نفسي لقضاء ليله في توزيع المال على الفقراء ، لكنى في هذه الليلة مررت بتجربة لم استطع أن أنساها حتى الآن ، لقد كان و ضع العائلات التى مررنا عليها في غاية السوء ، لدرجة أنى لم استطع تخيل أن هؤلاء أحياء بالفعل !

في بعض الأحيان كنت اعتقد أننا في حلم !

بيت كامل من أب و أم و أبناء يعيشون في غرفه لا توجد بها كهرباء تماما !

وعندما مررنا عليها قال لي صديق : توقف !

قلت : لماذا ؟

قال : هنا يسكن اناس

قلت له : أين ؟

فخرجوا علينا من داخل ظلام الغرفة إلى النور البسيط الذي يضئ الشارع !

لولا أن صديقي أخبرني أن هنا بشر ما كنت تخيلت ذلك .

لم أكن أراهم

وأظن أن المجتمع أيضا لا يراهم !!

صدمتي كانت اننى عندما مررت عليهم لم أكن أراهم حقيقا ، لم أكن أتخيل انه يمكن أن يكون خلف ظلام هذه الغرفة عائله كاملة تعيش هنا . و تخرج علينا من داخل هذا الظلام !

صدمتي كانت : أنى لم أكن أراهم

لم أكن أعلم بوجودهم

مررت عليهم دون أن أراهم  رغم أنهم كانوا امامى .

هم امامى و إمام المجتمع لكن لا أحد يراهم .

هم خارج نطاق الخدمة 

وقتها علمت أن رؤيتنا للحياة ناقصة تماما ، إن جزء كبير من صورة الحياة لا نراها و لا نعلم بوجودها .




قبل أن أنتهى : 
" إنما تنصرون و ترزقون بضعفائكم " حديث شريف 

الاثنين، مايو ١٧، ٢٠١٠

who am i ?


 

أنا انتمى لعده دوائر و ليست دائرة واحده بالتأكيد !

فانا انتمى إلى اسرتى الصغيرة التي نشأت فيها و كبرت و التي جاهدت خلال تاريخها لأن تظل أسرة ميسورة الحال ، لا تؤثر فيها تغيرات الحياة تأثيرا كبيرا و أن تظل رغم ذلك محافظة على شخصيتها ودون أن تتنازل عن مبادئها تحت ظروف الحياة وظلت إلى فتره طويلة تتابع الشأن العام باهتمام ثم تحاول أن تشارك في تغييره إلى الأفضل ...لكنها في كل مرة كانت تصاب بخيبة أمل كبيرة !، و انتمى إلى عائلتي الكبيرة التي لها انتسب و بها افخر و التي احمل فوق كتفي تاريخها بدون ارادتى ، و انتمى إلى دائرة الحي الذي اسكن فيه في مركز قروي، لكن رغم ذلك يعيش بين إرجاء هذا الحي الذي أعيش فيه  الطبيب و المهندس و المدرس و العامل و التاجر، ليمثل شريحة  من الطبقة الوسطى التي جاهدت من خلال التعليم و التدريب للارتقاء بنفسها و بأولادها . و انتمى إلى المجال الطبي بما يحمله من هموم و مصاعب و تحديات ....وضغوط عمل شديدة ، قد تدفعك فيها الظروف إلى اتخاذ إجراءات غير سليمة ، أو غير كافيه من أجل المريض ، و ذلك لأن الظروف غير متاحة أو لآن النظام البيروقراطي يعوقك أو لانتشار الفساد في المكان الذي تعمل فيه .....لتنام ليلا و أنت حزين من نفسك و على مرضاك .

وانتمى إلى عالم عربي و اسلامى كبير يعيش مشكلات في التنمية و النمو، لأسباب داخلية ( من عدم وجود كفاءات و غياب التفكير العلمي و العمل الجماعي و عدم توافر إرادة حقيقية لنمو حقيقي )  أو بسبب أسباب خارجية ( من عدم وجود إطار دولي يشجع الدول النامية على النهوض و يقدم لها حلول حقيقة لمشاكلها بدلا من أن يكون هو الصانع لهذه المشاكل التي تعوق نموه ) .عالم عربي واسلامى ينظر إلى الخلف أكثر من نظرة إلى الأمام ، و يتحدث عن الماضي بفخر أكثر بكثير من  العمل من أجل تغير واقعه المخزى ، يفتخر بتاريخه و لا يخجل من حاضره ،عالم فيه مليار و نصف مسلم ( و هي ثروة  بشرية كبيرة ) و فيه كل الموارد الطبيعية المتاحة على وجه الأرض ، و لدية المال الكثير ، ورغم ذلك فإنه للعجب: أفقر شعوب الأرض !!.

ورضى بدور الساخط على الغرب الكافر المنحل ، دون أن يحاول محاوله جادة لتقديم الشرق المؤمن الحضاري .

يربطه ببعض التاريخ و الجغرافيا و الثقافة و الدين لكنه رغم ذلك في محاولات دائمة للانفصال و التفكك ،رغم أن العالم كله في طريقه  إلى الإتحاد .

وانتمى إلى عالم كبير ، أثرت فيه سحابة بركانه في ايسلندا على حياه زملائي الأطباء في مستشفى العجوزة رغما عنهم و رغما عنى ، و أثرت فيه الأزمة الاقتصادية العالمية على سعر ورق الطباعة لدينا في مصر فأثر ذلك على ميزانيتي لطباعه الكتب !! وهو عالم يجمعنا فيه مصير مشترك و عمل مشترك رغما عنا جميعا ، فدخان المصانع في أوربا و أمريكا التي تدر عليهم الدخل و المال هي التي تسبب الاحتباس الحراري لكل دول العالم و تجعل الفقراء تحت الشمس الحارقة طول النهار ، و بدون اى وسيله تعينهم على هذا الارتفاع المخيف في درجة الحرارة ، هذا العالم الذي يتحمل فيه فقراء العالم كله الأضرار الناتجه عن الاحتباس الحراري من اجل مال و رفاهية العالم المتقدم !!

لكنى أجدني في نهاية الأمر :انتمى إلى مصر

التي فيها اسرتى الصغيرة و عائلتي الكبيرة و ظروف عملي و التي هي جزء من العالم العربي و الإسلامي ، تتأثر به و تؤثر فيه .

فهي التي تجمع كل هذه الدوائر .

وإذا صلح حالها صلحت( بالضرورة و كنتيجة) باقى هذه الدوائر .

لكنى حزين على دورها وتفاعلها مع ما يحيط بها .

وكلما قرأت عن تجارب أخرى في التنمية ( كتجربة ماليزيا – و تجربة تركيا _ أو حتى الدول النفطية الصغير مثل دبي و قطر ) أجدني حزين على مكانتها ووضعها ، و أنها تفقد الكثير من " قوتها الناعمة " بسبب مباريات الكرة !

فهل أنا متعدد الانتماء أم إنه انتماء واحد في صور مختلفة ؟

الأربعاء، مارس ١٠، ٢٠١٠

سيدى الرئيس.......!!


خطاب افتراضي من مواطن كلبش حب الوطن في قلبه و كلابشات الوطني في يده:

سيادة الرئيس..
اكتب لسيادتك بالقلم الرصاص .. عنوان الحب و الاخلاص.
الكدب خيبه سيادتك صحيح ان هذه الرساله مكتوبه بقلم رصاص دفعنا رشوة لعن حسنين عامل النضافة لكي يدخله الينا من ورا ضهر الحراسة ,لكن الحقيقي انني لست انا الذي اكتب , بل انا املي هذه الرساله علي مريض يزاملنا في العنبر طلب عدم ذكر اسمه ,برغم ان الدكاتره قالوا ان امامه بالكثير اسبوعين لكي يريح و يستريح, اي انه ليس لديه ما يخشاه ,لكنه يخشي ان يطلع تشخيص الدكاتره خطأ و يكتب له عمر جديد فيكمل جلسات العلاج في السجن.
و الحقيقه ايضا ان حكاية القلم الرصاص كانت من بنات افكاره هو ليس استرخاصا و انما لانه يري ان ذلك يسهل التخلص مما كتبناه اذا حدثت كبسه علي العنبر.

كنت اتمني ان اخط لسيادتك هذه الرساله بيدي لكي تشعر بنبض مشاعري مباشرة, كان نفسي والله,لكن المشكله ان يدي اليمني غرزوا فيها ابرة المحلول الذي تقطمني الممرضه انه خسارة في جتتي كلما قامت بتغيره, و يدي اليسري كما تعلم سيادتك قيدوها بالكلابش الي ضهر السرير المعدني, انا اسف لانني افترضت ان سيادتك تعلم بأن هذا حدث, فقلبي يحدثني انك لا تعلم بان هذا يحدث لاحد ابنائك,لكن لساني لم يطاوعني ان اقول انك لا تعلم ,لان مفروض ان سيادتك تعلم بكل كبيرة و صغيرة في هذا الوطن,الحقيقة ان لساني طاوعني, لكن زميلي الي بيكتب ما امليه عليه هو الذي نصحني بالا افترض ان سيادتك لا تعلم بهذه الحال,بان ذلك من الممكن ان يوقعني تحت طائلة القانون, و انا الي فيا مكفيني,

زملاؤنا المرضي الذين لم يحدد لهم بعد الاطباء موعد لمغادرة الحياة , يقولون لي انهم سمعوا طبيبا شابا ابن حلال يقول لزملائه الذين ليسوا كذلك ان صورتي و انا نائم و يدي مقيده في السرير تمكن مصور صحفي ماكر من التقاطها و نشرت في كل انحاء الدنيا, و مع انني فرحت عندما سمعت ذلك
لان صورتي و انا متبهدل كل هذه البهدله ستصل الي سيادتك و ستأمر بمعاقبة الذين كانوا وراء هذه البهدلة الا ان زميلي الكئيب الذي يستعد لمغادرة عهد سيادتكم الي رحاب الله قال لي ان هذه الصوره ستجر لي مزيد من الخراب و البهدلة, و انه مش بعيد ان يقيدوا يدي الاخري الي الناحيه الاخري من ضهر السرير, فضلا ان تقييد قدمي الاثنتين الي رجل السرير, و ذلك لانني تعاونت في صناعة صورة كهذه يمكن ان تظهر عهد سيادتكم علي غير حقيقته عهد يقيد المرضي الي اسرتهم كما لم يحدث من قبل في العالم كله, هكذا قال زميلي الكئيب محذرا اياي, فجعل الخوف يكاد يجعلني افعلها علي روحي, لكنني امتنعت عندما تذكرت ما يمكن ان تفعله بي الممرضات لو حدث ذلك , اخذت احلف بالله لسيادتك كأنك اماني انني لم اري جنس مصور منذ دخلت الي هنا, و انني كنت رايح في سبعين نومه لان جسمي كله كان بينقح عليا من كتر الضرب , ظللت ارتجف من الخوف و اسح في الدموع حتي صعبت علي كل من معي في العنبر , و لم يجعلني اتوقف عن الارتجاف و البكاء سوي نزيل اخر طلب ذكر اسمه هو الحاج عبدالبديع الذي دخل ليكشف علي الكلي فاكتشف ان لديه كليه واحده فقطو الاخري سرقت عندما دخل الي المستشفي منذ سنتين لكي يستأصل المراره , الدكاتره اقلوله ان كليته لم تسرق بل ذابت , و عندما اعترض قالوا له ان الله قادر علي كل شئ , فخاف ان يعترض فتطلع عليه سمعه انه دنماركي مسيئ للاسلام , عم عبدالبديع طمأنني ان ظهوري في الصوره نائم ممكن ان يطلعني من القضيه صاغ سليم , فاذا كان الله عز و جل يسامح الذي يترك صلاة الجمعة اذا كان نائم , فكيف يأخذ عباده الذي كان نائم علي تصويره اثناء النوم زميلنا الكئيب سكت ممتعضا و هو ينظر الي و انا احتضن عم عبدالبديع و ادعو له الله ان يخرج من المستشفي ببقية اعضائه سالما, و قاطع فرحتنا بقوله " طيب لو طلعت من قضية التصوير..هتطلع ازاي من قضية الشغب يا خفيف" , عدت لارتجف و ابكي فيما طلب منه عم عبدالبديع ان يعود و يتلقح علي سريره متطوعا بمواصلة كتابة هذه الرساله و مقررا ان ينتقم من زميلنا الكئيب بذكر اسمه صراحة في هذا الخطاب كي ينال جزاءه العادل, و لكنني استحرمت و طلبت منه ان يتركه يموت في سلام علي رجاء القيامه.

سيدي الرئيس..
انا اسف لانني لم انقل لك تحيات عم عبدالبديع و كل المرضي المجاورين لنا في العنبر , و عددهم عشره فشل كلوي, و اتناشر فشل كبد, واربعتاشر اورام متفرقه, جميعهم حملوني انا و عم عبدالبديع السلام امانة لسيادتك, و جميعهم ينقلون لسيادتك رغباتهم الحاره في ان تنظر اليّ بعين العطف و الحنان الذين تعودوه دائما كمواطنين في عهد سيادتك الذي نشأوا و ترعرعوا و شبوا و مرضوا في ظله.

سافترض ان سيادتك شهدت الصوره,التي يقولون انها التقطت لي و انا نائم,و عهد الله كنت نائما, و سأسأل سيادتك, استغفر الله العظيم, تخيل سيادتك ان الشيطان وسوس لي ان اقول لسعادتك ان تضع نفسك مكاني و انا في هذا الحال , بل و وسوس لعم عبد البديع ان يكتب ما قلته, والله سيادتك لو كانت يدي حره طليقه لنهضت من فوري و ضربت نفسي و عم عبدالبديع و الشيطان بالحذاء لكي لا ينفث في العقد بخيالات مريضه مثل هذه, لكن يدي مقيده و يد عم عبدالبديع مشغوله بالكتابه , و لذلك اكتفيت انا و عم عبدالبديع ان استعذنا بالله من الوسواس الخناس, فنحن لا نحب ابدا ان نتصور ان سيادتك مكاننا ابدا , متعك الله بالصحه و العافيه لان مصر تحتاجك , اما نحن فلديها منا الكثير

المشكلة ان الشيطان يجري فينا مجري فيروس سي في الدم , و لذلك نعلم انه سيعود الينا طالبا ان نسأل سيادت
ك هل يرضيك ان يتعرض لما اتعرض اليه احد ابنائك او اقاربك, لو لاقدر الله دخل المستشفي ذات يوم, لذلك لكي لا يدخل الشيطان بيننا ابدا, قررنا ان نسأل سيادتك السؤال بشكل غير مباشر, هل يمكن ان يتعرض لما انا فيه الان من كلبشة في ضهر السرير ابن احد الوزراء او الكبراء او اللواءات او المحافظين او رجال الاعمال؟

كنا فرحين انا و عم عبدالبديع بهذه الصيغه للسؤال التي تخرجنا من اي مساءله قانونيه, و توصل في نفس الوقت لسيادتك ما نريد ان نقوله, لولا ان جائنا من اخر العنبر صوت الكئيب ابن الكئيبه لكي يقول لنا " و هو في حد من دول ولا ولادهم ولا قرايبهم هيتعالج في مصر اساسا , دول بيطلعوا من بره بره يتعالجوا بره, و بره مفيش اساسا كلابشات في الاقسام عشان يبقي فيه كلابشات في المستشفيات " لم نستطع ان نرد عليه الصراحه , و لذلك قررنا ان نبلغ عن اسمه , سيادتك اسمه عدلي عبدالشهيد , زملاؤنا المسيحيون يقولون انه مسلم , و نحن نقول انه مسيحي , و عندما نجتمع سويا نقول انه زي الفقر معندوش ملة.

عم عبدالبديع يري ان لا نضيع وقت سيادتك في اي مقدمات عبثيه و ان ندخل في الموضوع مباشرة ,
بعيدا عن محاوله تقريب صورة ما انا فيه لسيادتك , لانه متأكد ان سيادتك لو شاهدت صورتي او سمعت عنها لن يرضيك ابدا ما حدث لي و ستأمر فورا بمحاسبة المسؤول عنه . الحقيقه ان عم عبدالبديع متفائل بطبعه , بدليل انه صدق ان كليته ذابت و نزلت و هو يقضي حاجته , عندما لمته قال لي " يا بني العيشه الي احنا عايشينها تدوب الصخر مش هتدوب كليتي"

انا لست عم عبدالبديع, طموحاتي بسيطه , لا اريد ان احاسب احد لا الذين اعتقلوني ولا الذين ضربوني بالرصاص المطاطي ولا الذين ضربوني علي قفايا ولا الذين سبوني بالاب و الام ولا الذين قيدوني الي ضهر السرير كأنني خطر داهم علي هذا الوطن, خطر لا يحتمل حتي حراسة اضافيه بل يتطلب تقيدي كالذبيحه لا اريد ان احاسب الذين حكموا علي قبل ان يحاكموني , ولا حتي الذين يأتون الي كل يوم ليطلبوا مني بحزم ان اشد حيلي عشان يطلعوا عين اهلي لما اخرج.

سيدي انا لدي مشكلتان لا ثالث لهما , الاولي مع الذباب الشرس الحقير الغتيت , الذي يحاصرني في هذه المستشفي الكئيبة , ذباب واعي سافل يتعمد ان يحط علي الجهة اليسري من وجهي كأنه يعلم انني لن اتمكن من هشه بيدي المقيده , والله العظيم يا سيدي انا مستعد ان ادلي باعترافات تفصيليه عن دوري المزعوم في المؤامره التخريبيه كما وصفها الضباط الذين عكشوني , مقابل ان يفكوا الكلابش فقط لكي اهش الذباب المتوحش عني.

مشكلتي الثانيه هي انني اشعر باكلان فظيع في ضهري, لا ادري هل سببه الحشرات التي يقسم زملائي انها اقدم في المستشفي من بهيره كبيرة الممرضات,ام سببه رقودي علي السرير علي وضع واحد كل هذا الوقت, مع ان التغيير سنة الحياة, نبهني عم عبدالبديع الي التباس الجملة الاخيره و كونها يمكن ان تسوؤ موقفي في القضيه , لكنني اقسم لسيادتك انني لا اقصد منها شيئا سوي انني فعلا اريد ان امارس حقي الدستوري في الهرش و تغيير وضع رقودي علي السرير, فانا لست دولة تستحمل ان تعيش ربع قرن علي وضع واحد دون اي تغيير, انا بشر ضعيف خلقت من تراب و سففت التراب و يلزمني بين الحين و الاخر ان اتقلب علي الجنبين , فهل هذا كثير عليّ سيادتك.

سيدي الرئيس ...
والله العظيم و ليس لسيادتك علي شعبك حلفان,هل تعلم انني احلم كثيرا بان كل ما انا فيه سينتهي فجأه في زياره مفاجئه,لكي تقول لنا انه لا يرضيك ابدا ان يعامل مواطن في عهدك هكذا , حتي لو كان مخطئا او مشتبها في خطئة, وان سيادتك تؤمن بان المتهم برئ حتي تثبت ادانته عندها فقط تصبح كلبشته.

عارف سيادتك طيلة عمري كنت احلم بان اصاب يوما ما بكسور و رضوض في حادثة قطار او اصاب بحروق من الدرجة الاولي في حريق مسرح او انجو من الغرق في عباره او اتعرض لجروح قطعيه في انقلاب بيجو 7 راكب, فقط لكي احظي بذلك المشهد المهيب الذي حظي به الالاف قبلي, اعني مشهد دخول سيادتك الي عنبر المستشفي لكي تتفقد المصابين, و تنحني عليهم ودودا حنونا تلاطفهم و تطمئن عليهم و تطبطب عليهم و توصيهم بان يبطلوا دلع و يشدوا حيلهم,يا الله, هل من الممكن ان احظي بشرف كهذا , و اري صورتي مع سيادتك في الجرنال و انت تمسك بمفتاح الكلابش و تفكه و تفكه بيدك الكريمه و قد كتب تحتت الصورة" سيادة الرئيس الاب يتفقد احد ابناؤه المصابين"
انا اسف سيادتك عدلي مش ناوي يجيبها لبر , من جديد اخرجني صوته من احلامي , عم عبدالبديع نفسه كان قد بدأ يحلم بان يتصور مع سيادتك و انت تعده بان كليته الباقيه لن تذوب باي شكل " هو انت فاكر نفسك ناجي من الغرق او حريق او موت.. انت يا ابني ممسوك في قضية شغب..فكيف تحظي بشرف كهذا لا يناله سوي المغدور بهم او المصابون بشرف".

خرجت في المظاهرات.. نعم.. اعترف سيادتك

لن الف و لن ادور و لم احلف بالله كذبا انني كنت رايح درس او جاي من مجموعة..لن اقول انني خرجت لكي اتفرج و فوجئت بانني ممسوك..عم عبدالبديع يطلب مني ان امسح كل ما قلته الان..لكنني عاهدت نفسي ان اكون صادقا و انا اكتب اليك .. قد اكون مخطئا لانني خرجت في المظاهره, بلاش انا فعلا اخطأت و لكن ماذا افعل و انا علي اخري ككل الذين اعرفهم.
.خرجنا لكي نفش غلنا و نصرخ لعل اصواتنا تصل الي سيادتك فترحمنا من الغلاء و الكواء و الخواء و الغش حتي في الدواء..خرجنا لكي نسأل سيادتك كيف يمكن لاهالينا ان يضمنوا لنا حياه كريمه بمرتبات لئيمه ..كيف يمكن لنا ان نحلم بالمستقبل و نحن ندرس في مدارس و جامعات لا نتعلم منها شيئا ينفعنا في الدنيا او الاخره,نعم يا سيدي خرجت في المظاهرات كغيري .. لكن لا انا ولا احد من الذين اعرفهم احرقنا مدرسه او نهبنا محلا او اقتحمنا مطعما او كسرنا جهاز كمبيوتر..سمعت انهم احرقوا المدرسه فحزنت..صحيح انني لم اتعلم فيها شيئا ذا بال لكنني حزنت لانني قضيت فيها اياما جميلة و ضحكت فيها من قلبي انا و زملائي كما لم نضحك من قبل و كما لن اضحك من بعد.

سيدي الرئيس..
انا حزين علي كل طوبه رميت في وجه عسكري امن مركزي أمروه ان يقمعنا فقمعنا و هو يرتعد خوفا ..حزين علي كل شجره احرقت فوق شريط القطار ..حزين علي كل محل نهبوه..علي كل مطعم لم يأكلوا فيه فأكلوه ..علي كل فصل اقتحموه و اشعلوا فيه النار..حزين علي ان نصل جميعا الي هذه الحال..لكنني حزين ايضا علي حياتي و علي حياة كل الذين اعرفهم ..هل تتصور سيادتك اننا نعشق التظاهر و نهوي الاضراب و ندمن الوقفات الاحتجاجيه ..هل تتصور سيادتك اننا كنا سنخرج من بيوتنا اساسا لو كنا نشعر بالرضا عن اليوم او الامل في بكره ..اعلم انه لا يوجد ابدا ما يبرر خروجنا كي نولع في مدينتنا ..في شوارعنا ..في مدارسنا ..لكن ماذا نفعل اذا كانت الحياه في بلادنا جعلتنا نرغب في ان نولع في انفسنا .

سيدي الرئيس
انا جاهز لكي اتحمل المسؤوليه عن كل ما ينسب اليّ..مستعد لكي امثل امام القضاء..مستعد الي ان تقيد كل اطرافي الي جميع ارجاء السرير ..لكن فقط بعد ان تثبت ادانتي ..مستعد لان احاكم و لكن بعد ان يحاكم معي كل الذين سرقوا مني الامل و حرموني من ان احلم بغد اقل سوءا..بعد ان يحاكم معي كل الذين غرقوا في خيرات هذه البلاد دون ان يعطونا منابنا ..بعد ان يحاكم معي كل الذين اشعلوا النيران في اداميتنا و انتماءنا و حبنا لهذه البلاد التي عشنا فيها سنين راضيين بقليلنا لاننا نؤمن ان القليل من الحبيب كثير.

سيدي انا مضطر ان اتوقف الان لكي اترك عم عبدالبديع يرتاح من نوبة البكاء التي اصابته ..لكي اطمئن علي عدلي الذي اعطانا ضهره و اخذ يرتجف لكي اطلب من الجميع ان يكفوا عن النشيج الحاد لكي ننجو من غضب الحراس الذين اقترب موعد تفتيشهم المفاجئ لنا .

سيدي الرئيس..انا الان اعرف ما اريد..انا لم اعد اريد لا حبا ولا حنانا .. ولا حلا..

لم اعد اريد لا الخبز ولا الحرية..
لم اعد اريد لا الحراك السياسي ولا العداله الاجتماعية ..لم اعد اريد تكافؤ الفرص ولا فرص التكافؤ..لا التانميه الشامله ولا الخروج من عنق الزجاجه .

كل ما اريده ان تأمرهم سيادتك ان يفكوا قيودي .. فأنا حقا اريد ان اهرش


بلال فضل 

الجمعة، يناير ٠٨، ٢٠١٠

الإحتقان الطائفى


من لم يستفد بنظرة ، لن يستفيد بسمعه

و  المعنى : أنك إذا لم تستفد مما تشاهد وتعايش  وتكون حاضرا فيه بجسدك وعقلك ونظرك ، فإنك لن تستفيد مما تقرأ في الكتب أو تسمعه خلال المحاضرات والندوات .

لأن من رأى بعينه  غير من سمع بأذنه

والفرق كبير !

والأمر ينطبق عن العلاقة بين المسلمين و المسيحيين بمصر   

فلن يجدى الحديث عنها من خلال اللقاءات الحكومية التى تقام من وقت لأخر لجمع رجال دين مسلمين مع رجال دين مسيحيين في نفس القاعه ، ثم حديث عن الروابط التى تجمع " عنصري الأمة " ، ثم مجموعه من المجاملات و القبلات ....ولا شئ بعد ذلك .

ولن يجدى معها الحديث من خلال نصوص القرأن و السنة التى تتحدث عن معاملة غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية ،وسردها وشرحها ....والدندنة حولها . لأن هذه النصوص إذا لم تتحول إلى واقع على الأرض فإنها تظل كلام على الورق يتم تجاهله عند النزول إلى أرض الواقع .

ولن يجدى معها التأكيدات من القيادات الكنسية من ان المسيحيين جزء من نسيج المجتمع المصري ، و أنهم جزء من الحضارة العربية الإسلامية حتى لو لم يكونوا مسلمين ، وأن التسامح و المحبة هو الذى يحكم العلاقه بين المسيحيين و المسلمين . لأن ما نراه على الأرض يثبت لنا أن ما يحكم العلاقه بالفعل : قيم أخرى ليس لها علاقه بالمحبة ،وليس لها علاقه بالتسامح .

ولى على ذلك شاهد ودليل .!

 

الموقف الأول : في أثناء أحد النوبتجيات جاءت لى سيده عجوز  تولول وتصرخ ( كانت في حقيقة الأمر مصابة بصدمة عصبية ) ، وعلمت في أثناء الفحص أنها مسيحية و أن جيرانها قاموا بإغلاق باب منزلها من الخارج عليها و على عائلتها ، ثم قاموا بإضرام النار في المنزل !، و الهدف من وراء ذلك حرقهم داخل بيتهم .

 

الموقف الثاني : في أحدى المحافظات قام المسيحيون بإستفزاز مشاعر المسلمين ، الموقف تتطور من الحديث الودى إلى النقاش الحاد الذى إنتهى بدوره إلى : أعلى ما في خيلكم أركبوه !

أعلى ما في خيلهم كان الدخول في مصادمات بين الجيران بعضهم وبعض ، والكل يتنافس في سباق محموم للتخلص من جاره قبل أن يتخلص جاره منه !

 

انا لدى عدد أخر من المواقف و الشهادات التى تملأ الصحف و المجلات والتى يمكن الرجوع إليها بسهوله لمن أراد ، لكنى عرضت منها المواقف التى كنت جزأ منها أو شاهدا عليها .

لكن المواقف في هذا المجال أكثر من أن تعد او تحصي  .

 

يمكننا بسهوله من خلال تصفح المجلات و الجرائد والعودة إلى الموقفيين السابقين أن نلاحظ أن :

التطرف الدينى لم يعد حصرا فقط على فئات ضيقه من المجتمع المصري ( سواء المسلم  أو المسيحى ) الذى قام بتفسير النصوص الدينية حسب تأويلات شاذه ومتطرفه. بل أن المصيبة الكبرى أن هذا الفهم الخاطئ الذى يحكم الان العلاقه بين المسلمين و المسيحيين أصبح منتشرا بين عوام الناس . بمعنى أخر : أن التطرف إنتقل من طرف المتدينين الذين فهموا النصوص على نحو خاطئ إلى عوام الناس .

الملاحظة الثانية : أنه فيما كانت الدوله تقف بحزم و صرامه ضد أى اعتدائات تتم على اساس دينى فيما سبق ( ربما لرغبتها في الإستفاده من هذه الأخطاء للقضاء على الحركات الإسلامية التى استخدمت العنف كوسيله للتغيير ) فإنها الآن تقف _وبامتياز – في موقف المتفرج الذى يرفع يده من الأحداث ( لا اريد أن أكون أكثر حده و أقول أنها ربما تساهم في إشعالها بطرق غير مباشره ) ، و امام ناظرى كانت أحد القيادات الأمنية تخبر أحد المصابين في أحد الحوادث الطائفية أن والده ( زى الفل ، و هيخرج من المستشفى النهارده و يروح ) رغم أخبار الطبيب لهم أن حاله الرجل شديده السوء وأن وضعه حرج و ربما لا يجدى معه التدخل الجراحى !!

الملاحظة الثالثه : أن إضاعه الحقوق ، و عدم التعامل مع مثل هذه الحوادث من خلال القانون و تحقيق العداله أدى إلى تراكمات من المظالم التى أدت إلى تكوين قناعه لدى قطاع عريض من الناس من أن المظالم لن ترد من خلال القانون و أن الموضوع سوف ينتهى في نهاية المطاف على كلمات تطيب الخواطر و تهدئ النفوس دون النظر إلى حقيقة ما جرى و من الظالم و من المظلوم .

الملاحظة الرابعه : أن هناك الكثير من المستفيدين من مثل هذه الحوادث سواء من داخل مصر أو من خارجها ، وقد وفروا البيئة المناسبه لها من خلال الدعم المادى و المعنوى و الشحن الطائفى من الخارج . و هذه النقظة لن أتحدث فيها كثير ا و لكنى أحيلك إلى المنتديات و اليوتيوب للتأكد من هذا الرأى .لكنى اكتفى هنا بالتذكير من أن : لا أحد من هؤلاء سوف يصاب بأى أذى أو يضر عندما تحدث الحوادث الطائفية ، فمن يقتل و يصاب في نهاية المطاف هم الأطراف الغير معنية بالموضوع أو الطرف الذى تم تحريضه و دعمه من الخارج .

 

حادث نجع جمادى أعاد التذكير بوضوه بان هناك احتقان طائفى في مصر ، وهو امر لا يمكن انكاره ، و أن النظام يتعامل معه بطريقه خاطئة و يديره إداره سيئه ، و أعاد التذكير بأنه إذا لم يكن هناك مشروع حضارى مشترك يلتف حوله المصريون ، و رؤيه مشتركه لمصر الحاضر و المستقبل فإن البديل هى النظرات الضيقه و المطالب الطائفية ومزيد من الإحتقان الذى لا يعلم نتيجته إلا الله .