

دخل أخر فرد سوف يكون معنا في عربه الترحيلات الى ستنقل كل منا إلى مكان مختلف .
انا و عمرو إلى مقر أمن الدوله بالفيوم .
و إثنين إلى سجن دمو
وفرد إلى سجن الوادى الجديد
و أخر إلى سجن الفلاحين بالفيوم .
و كان هذا الذاهب إلى سجن الفلاحين هو أخر القادمين .
إنتظرناه امام القصر العينى إلى أن جاء .
جاء رابطا يديه اليسرى .
و بدخوله إلى عربه الترحيلات التى كانت ممتلئه عن أخرها رغم قله عدد الأفراد إكتمل النصاب القانونى لنا و بدأت العربه في التحرك بنا .
برغم كل التأخير الذى حصل
ورغم زحمه عربه الترحيلات
كنت سعيدا
هذه أخر ساعات لى و انا معتقل و عما قليل سوف أعود إلى حياتى الطبيعيه .
لكن
ما أن بدأت عربه الترحيلات بالحركة إلا و عم السكون .
وبدأ الفضول في داخلى
كل شخص من هؤلاء بالتأكيد لديه قصه ليرويها لنا عن أسباب إعتقاله
لذلك قررت أن أسئل كل فرد عن قصته
وبعد أن إنتهى كل فرد من روايه قصته قلت لنفسى :
ليتنى ما سالتهم
لكنى أترك لكم تحديد إذا كان هذا الحكم صائب أم غير صائب .
ــ خير يا أبويا ! جى القصر العينى ليه ؟
ــ أبدأ يابنى أصلى هعمل عمليه في إيدى بس الدكتور أجلها
كانت لهجته بسيطه جدا ، فلاح زى مالكتبا بيقول ، و من طريقه كلامه يبدو انه طيب و على نياته "زى مابيقول الناس " ، هذا بالطبع زاد من الفضولى داخلى لكى أعرف لماذا هو في السجن ؟
ــ إنت إتجرحت في أيدك ؟ حد ضربك
ــ لأ ، دا انا كنت بحاول أنتحر !!
هنا تغير الإنطباع السابق ، هذا شخص كان في طريقه إلى النار لولا ستر الله ، مالذى يدفع شخص للإنتحار مهما تكن الظروف . وعند هذه النقطة بالتحديد كل من في العربه زاد إنتباهه و نظر إلى الرجل مباشرة لكى يعلم لماذا أقدم على الإنتحار
ــ ليه كده يا حاج ، إيه إلى يخليك تفكر في حاجة زى كده ، دا إنت منت في طريقك للنار لولا إن ربنا ستر .
ــ لحظة ضعف ، أعمل إيه مكنتش قادر أستحمل ، و لقيت حته السيراميك قدامى فعورت بيها نفسى .
ــ ضغوت إيه إللى ممكن تعمل فيك كده ، الرزق ده بتاع ربنا و هو إللى بأيده أنه يرزقك .
ــ الضغوط دى مش عشان الفلوس ، دى عشان القضيه إللى انا فيها
ــ إنت متهمينك بإيه يا حج ؟
ــ متهمنى انى انا إللى غرقت الناس بتوع الفيوم إللى كانوا مسافرين إيطاليا في البحر ، إنى كنت السمشار بتاعهم .
هنا تذكرت القصه كامله من الجرائد ، "سمسار الموت" الذى ضحك على الشباب وأخذ منهم المال ثم حاول تسفيرهم في مراكب متهالكه غرقت بهم جميعا . هذا شخص يستحق الإعدام ،ولا يجب أن يكون فى قلبى أى مكان للشفقه تجاهه .....هكذا كنت أحدث نفسى .
أكمل هو الحوار :
و انا و الله مليش دخل بالموضوع ، أنا إبنى مسافر في إيطاليا ، إتصل على و قالى إن فيه ناس إصحابه من الفيوم عاوزين يسافروا و طلب منى إن أدلهم على السمسار إلى سافر معاه ، و أيسر لهم الأمر
رحت الفيوم و قابلت أهليهم و قلتلهم على الأسعار ، و جه واحد معايا بالفلوس بس خافوا إنى أعمل فيه حاجة في الطريق فأخدوا عليه و رقه بالفلوس كلها .
المهم السمسار أخد الفلوس و هما سافروا بالفعل و أنا مليش أى علاقه غير إنى واسطه .
وحصل إللى حصل
إلعيال غرقت
إتصلت على أهليهم قالوا لى : هات فلوسنا و إحنا نكون صافيين .
رحت للسمسار و طلبت الفلوس ....إتأخر على ، راحوا اهالى العيال مبلغين عليا انا لأن معاهم الورقه . و مش معاهم أى حاجة ضد السمسار !!
رغم إنى انا في حياتى مسفرت حد ، و لا انا عمرى سافرت بره مصر . و مليش دخل بالموضوع .
بدأت مشاعرى تجاه هذه الرجل تتغير خاصه مع الجزء الأخير بالإضافه إلى لهجته شديده الطيابه ، لكنه كان يخبأ لى المزيد من المفاجأت !
لما إتعرضت على النيابه وجدت كميه وسائل الإعلام تفوق الوصف ، كله بيصور في ...كاميرات فيديو ، كاميرات تصوير ، موبيلات و الهمهمات تتردد " سمسار الموت "
" هو ده "
" منه لله "
شعرت و كأنى " ملحوظة : الجمله القادمه لازلت أتذكرها حتى الآن منذ أن قابلت الرجل "
شعرت و كانى هيعدمونى ميت مرة ، رغم إن محدش من الصحفيين دول جاء و سألنى إنت عملت إيه !؟
أكمل الحوار :
لما دخلت الزنزانه خفت على نفسى
انا كده هيعدمونى على الأقل
و لو متمش إعدامى أكيد بعد ما أطلع عتعرض على أمن الدوله ، و دول مش هيرحمونى . أكيد هيقبوضوا على لحد ما اموت ، و هيموتونى من التعذيب عشان إللى معتقدين إللى أنا عملته ، عشان كده فكرت إنى أنتحر .
أنا دخلت في الحوار : يعنى إنت فكرت تنتحر خوفا من امن الدوله و إللى هيعملوه فيك ؟
ــ أيوه ، أكيد مش هيسبونى في حالى .
ــ طيب ، هما كانوا قبضوا على إللى تسبب في حريق بنى سويف ، ولا إللى تسبب في غرق العباره .....أمن الدوله مش مهتم غير بالسياسيين فقط ، ملوش علاقه بالجنائى .
ــ انا محدش قالى الكلام ده ، يعنى هما مش هيقربوا منى ؟
ــ ولا إنت تشغلهم أصلا !!
ــ يعنى محدش منهم هيقرب منى
ــ و لا هيفكروا فيك من الأساس !
ــ الحمد لله ! أنا ميفرقش معايا السجن لأنه أيام و هتعدى لكن أهم حاجه لما أطلع ميخدونيش امن الدوله .
قلت له : إطمنى خالص . مش هتروح أمن الدوله .
بعدها سكت الرجل
و كل من في السياره سكت .
نظرت إلى عمرو و كانت ملامح التأثر على وجهه من مدى الظلم الذى تعرض له الرجل .
الباقيين كلهم عمهم السكون .
لكن احدهم و كان يرقد على ظهره و كأنه نائم منذ ان دخل إلى عربه الترحيلات قال فى صوت هامسه سمعناه جميعا :
منك لله يا حسنى !!
إنت السبب في ده كله !!
صغير في السن
ذو لحيه كثيفة
وكان دائم الحركة وسبب لى انا شخصيا القلق
ما بين محاوله الإحتكاك بالشويش الذى أدخلة إلى عربه الترحيلات ، إلى محاوله الإحتكاك بالشاويش الذى يقف بجانب عربة الترحيلات .
ووسط هذا كان حديثه قد بدأ يكشف عن هويته :
"الشويشية اعوان الطواغيت "....كانت هذه الجمله كافيه لأعرف طبيعه شخصيته لكنى كنت في شوق لأعرف مالذى جاء به إلى السجن
ــ قصتك إيه ؟ إيه إللى جابك ؟
ــ إحنا تنظيم كان عاوز يقدم الدعم لفلسطين ، إحنا قضيتنا قضيه أمن قومى عشان كده غطوا عليها و لم تنشر في الجرائد .
ــ تدعموا فلسطين إزاى ؟
ــ كنا بدأنا نجيب شرايط من على النت للمجاهدين من فلسطين و إزاى بيدربوا و كنا بنحاول نقلدهم و نتدرب زيهم ، كنا عاوزين نطلع مجاهدين زيهم .
وكان عندنا خطة إننا نجمع فلوس و نشترى سلاح و نعبر الحدود عشان نروح نجاهد معاهم .
كانت مشاعرى متأرجحه حتى هذه اللحطة امام ما يقول لكنى اثرت الصمت و ان أتابع معه القصه حتى النهاية ...
و بالفعل إتجمعنا و وضعنا خطة ودعينا الشباب إنهم ينضموا إلينا عشان ننصر فلسطين ، و بدأنا نشوف شرايط فيديو كتير للتدريبات و في نفس الوقت نجمع فلوس عشان نشترى سلاح .
ــ و مين إللى كان بيحركم ؟ مين إللى قالكم على الفكرة دى ؟
ــ طالب معانا
ــ إنت كنت كلكم طلبه ؟
ــ ايوة
ــ بس إنت لسه صغير في السنه ، يعنى على الأقل يكون معاكم واحد كبير في السن عشان يقولكم تعملوا إيه ، أو واحد جاهد قبل كده ...
ــ مش شرط إحنا كنا هنعلم نفسنا بنفسنا !!
ــ تعلموا نفسكم .....!! ( حتى قياده السيارات تحتاج إلى من يعلمك إياها ، فمابالك بالقتال !!)
ــ إنت كنتم كام واحد ؟
_ حوالى 30 .
ــ و إزاى إتقبض عليكم ؟
ــ الكلام إتنشر ، و الإخوه أخدها الحماسه فدعت ناس كتير ملهاش في موضوع الجهاد .
ــ يعنى إيه مش فاهم !!
ــ كنا نروح نقول لأخ فيعجب جدا بالفكرة فيروح يقولها لكل زملائه ، فزملائه يقول لناس تانية وهكذا ....الفكرة إنتشرت و إتعرف إننا فلان وفلان هما إللى قائمين عليها .
هنا مشاعرى بدأت تتغير
وشعرت إننى امام قصه كوميدية من الطراز الأول !!
ــ هو إنتم كنت بتقولوا لأى حد !!
و بعد كده مش المفترض إللى بيجاهد بيختار نوعيه معينه من الناس !! أصل مش كل الإخوه ينفعوا يجاهدوا !!
ــ ما هو إحنا كنا هنجهزهم و نأهلهم .
ــ حد فيكم جاهد قبل كده ؟
ــ لأ
ــ أمال هتجهزوهم إزاى ؟
ــ من خلال شرائط الفيديو .
ــ شرائط الفيديو !!
ـ ايوة .
ــإنتم أكبر واحد فيكم كان عنده كام سنه ؟
ــ يعنى 26 ، 27
هذه شخصية في منتهى الطيبة و في منتهى السذاجة !!
( وعفوا إن كان هذا قد يغضب البعض )
هو غير مؤهل إيمانيا و لا فكريا و لا جسديا و لاعلميا وليس له أى خبرة في التنظيم و التخطيط ثم بعد ذلك يريد أن يقوم بعمل تنظيم للجهاد في فلسطين التى ليست في حاجة أصلا إلى مجاهدين بقدر حاجتها إلى الدعم المادى و المعنوى .
لكنه مصر على أنه بطل و مناضل و أن المشروع أجهض في مهده .
و امام شخص يفكر بمثل هذه السذاجة في عصر لا ينفع فيه إلا التخطيط العلمى المنظم و المستوى العالى من الخبرة و القياده تحسرت على مثل هذه "النوايا الصادقة " التى تضيع هباء منثورا في مشاريع وهمية و أفكار حالمة .
لقد تحسرت على الحركات الإسلامية التى لا تحاول أن تقرأ تاريخ من سبقها و تعرف أخطائهم حتى لا يقعوا فيها مرة أخرى ، لكننا نصر على أن نفكر بنفس طريقه التفكير و نفس طريقه العمل لنحصل على نفس النتائج و كأننا في حلقة مفرغه !!
لم أحاول أن استكمل معه الحوار فوه ليس لدية جديد و انا قد زهدت في ان أستمع إلى تجربة قرأت عنها في الكتب أكثر من مرة .
لكن بعد قليل دخل علينا في عربة الترحيلات شخص ثالث ، علمت فيما بعد أنه من سيناء و أنه كان متهما في تفجيرات سيناء .
عندما حاولت أن أفتح معه الحوار كان شديد الصمت . و منذ أن دخل غلى العربة فإنه تمدد و بدى و كأنه في وضع النوم .
من معه قالوا لى أنه من المفترض أن يفرج عنه قريبا بعد أن أقر ان ما قام به كان على غير الصواب ،كان محملا بكميات كبيرة من الكتب في الكمبيوتر و الإتصلات و غيرها .
وبدا لى أنه أحد هذه القصص التى أخدذت الحماسه في الطريق فأرتكب الكثير من الأخطاء و بعد أرتكابها إكتشف انه كان مخطئا ، فندم على ما مضى !!
يا حسره على العباد
ألا نتعظ أبدا من أخطائنا السابقة !!
لم يتبقى غيرى و عمرو أيوب و ثالثنا
وهذا كان حكاية أخرى تستحق أن تروى
فاربطوا أحزمتكم فأنتم على مشارف قصه تراجيدية من الطراز الأول .
كنت قد بدات أولى خطوات الإلتزام
و كفعل طبيعى فانى قمت بتربية لحيتى و تقصير الجلبية
و بعدها بفترة بدأت بالتعرف على عدد كبير من الإخوه ، لم أكن أعرف بالطبع إنتمائتهم و لا تنظيماتهم في هذا الوقت . لكنى كنت معحب بالسمت الإسلامى لهم .
جاءت أحداث سبتمبر
وألقى القبض على عدد منهم
وتحت التعذيب ذكر عدد من الأسماء كنت من ضمنها
فألقى القبض على
وهكذا دخلت المعتقل .
يونس "وهذا ليس أسمه الحقيقى " كان شديد النحاله لدرجة غريبة ، طويل .وله شعر شديد و لم يتكلم أغلب الوقت إلى أن خلت العربة علينا نحن الثلاثة .
وكان هو السبب في تأخيرنا لفترة 4 ساعات لأنه كان يزور والدته .
وكنت أحمل مشاعر غضب تجاهه لأنه السبب في تأخيرنا لكنه بعد دخوله إلى عربة الترحيلات أعتذر عن أنه السبب في تأخيرنا لأنه كان يزور والدته التي منع من زيارتها منذ سنه !
هنا تلاشى كل الغضب الذى كان بداخلى .
أثناء الطريق حدثنى كثيرا عن قصص التعذيب التى حدثت للمجموعه التى كان فيها ، وكيف أن بعض الأفراد بالفعل لم تقم بأى شئ ، كانوا مثله في بداية الإلتزام لكنهم من أجل الإنتهاء من التعذيب كانوا يعترفون باى شئ.
وحكى لى عن زميله الذى صمد في التعذيب لمده طويله فقال له الضابط :
إنت كده كده هتعترف ! إذا كان بتوع جوانتانموا في الأخر إعترفوا هيكون إنت إللى مش هتعترف !!
"الضابط القائم على تعذيبه كان من ضمن الذين قاموا بإنتزاع الإعترافات من معتقلى جوامنتاموا "
لكن بعد فترة توقفت عربة الترحيلات
ووقفة داخل العربة
كان ظهرى إلى مبنى أمن الدولة بالفيوم
وعقلى يفكر فيما يمكن ان يحدث لى بعد قليل
لكن و جهى كان مع يونس ...
كان يقص على من قصص التعذيب ما تشيب له الولدان
و كان له تقسيمة الخاص به :
تعذيب حسب الأماكن : أمن الدوله بمدينة نصر ، لاظوغلى ، جابر بن حيان .
تعذيب حسب طرق التعذيب : وسائل التعذيب البدنى ، وسائل التعذيب المعنوي ، طرق الضغط على العائله .
كان كل حكايه منها دراما خاصه بها .
حدثنى عن النكته التى تقول أن هناك واقعه إغتيال حدثت شارك فيها 3 أشخاص و أختبئوا في غابة و أرادت 3 دول أن يعرفوا من الذى قام بهذه العملية ، فقامت المخابرات الأمريكية بمراقية الغابة بالأقمار الصناعية و أستطاعت الوصول إلى أحد منفذى العملية بعد ساعتين ، ثم جاءت المخابرات الروسية ومن خلال المجسات الحرارية استطاعت تتبع الشخص الثانى و الوصول إليه بعد ساعتين ، و عندما دخل الأمن المصرى الغابة للبحث عن الشخص الثالث الذى شارك في العملية خرجت الغزاله بعد 10 دقائق من الغابة و هى تصرخ و تقول : أنا إللى قتلت ، أنا إللى قتلت !!
حدثنى عن من ظلوا 100 يوم في غرفه أرضيتها مليئة بالمياه وهو لا يرتدى شئ غير الملابس الداخليه و لم يقتح عليه الباب طوال هذه المدة إلا وقت خروجة من الغرفة . و كان الطعام ياتى إليه من خلال فتحة في باب الزنزانه .
وكان طوال هذه الفترة يتحدث إلى و نبرة صوته هادئة لكنها بدأت أن تعلو قليلا بقليل
و يبدو عليه التأثر
و أنه قد انفعل مع الحكى .
و كنت مستتغرقا فيما يقوله لأنى مقدم على دخول أحد هذه الأماكن التى يتحدث عنها .
وربك يستر .
بياخد منى كل دنيتى
كل ما املكى في هذه الدنيا
هما دول فلوسى
هما دول رأس مالى
عاوزنى بعد كده أتعامل معاه إزاى
ــ اتفضل ، يعنى إنت إيه إللى خلاك تكفر الناس دى بالطريقة دى .
أنا أسف إذا كان السؤل محرج لكن أنا أقصد هل أنت قبل أن تعتقل كنت تتنبى هذا الرأى ؟
ــ أنا عندما اعتقلت لم أكن قد كونت أى أراء بعد !، لكنى مع أول تجربة لى في لاظوغلى " كفرت" كل العاملين بها فقط ، و في التجربة الثانية في سجن " لا أذكره الآن " كفرت كل العاملين به أيضا
أنا مقاطعا : يعنى أيه تجربة ؟
ـ تعذيب يعنى ، و بعد كده أثناء ترحيلى في عربة الترحيلات عاملنى الضابط معاملة شديده السوء فكفرت بعدها كل العاملين في الشرطة !!
لحظات من الصمت مرت بعد أن نطق كلماته الأخيرة
كنت أشعر انى ادخل في منطقة شديده الوعورة لكنى لم أتوقف
و بدأت معه نقاش طويل عن فكرة التكفير و شروطها ومن يقوم بها
و هو مازال مصرا على موقفه
أنا أستدعى كل الأدله التى قراتها من قبل في هذا الموضوع و هو يهدمها لى دليل بعد دليل
و عندما شعرت في النهاية انه لن يغيير من رأية قلت له :
بغض النظر عن حكم الشرع في هذا الموضع إنما إنت برضه لازم تعامل اللناس دى كويس عشان مصلحتك ،
عشان لا يتحول العداء من عداء عام إلى عداوة شخصية
عشان يسمحلك بحد أدنى من الإحترام .
ــ يا دكتور أحمد إنت بتقول كلام من الكتب ، الكلام ده مبيحصلش معانا
إنت لو مريت باإللى انا مريت بيه مش هتقول الكلام ده
إنت بتقول كدها دلوقت لأنك مطمن و عارف إنك هترجع بيتكم و إنى فيه حد مهتم بيك و إنه لو حصلك حاجة في ناس هتعرف و مش هتسكت و هتتكلم . عشان كده إنت بتقول الكلام ده .
إنما إنت لو مريت بإللى انا مريت بيه مش هتقول الكلام ده أبدا . ( لهجة الحوار كانت قوية و متسارعه و الصوت بدأ يعلو و انا لا زلت في إنتظار ما سيحدث لى و كلنا نقف أمام أمن الدولة بالفيوم )
أنا راجل كل ما املكة من الدنيا بطانية بنام عليها على الأرض و موقد غاز عشان أسخن عليه المية في الشتا و ممكن أعيد طبخ الأكل إللى بيجلنا عشان يكون قابل للمضغ و مجموعه كتب ، هو ده كل إللى انا أملكة في الدنيا . لما يجى ضابط "يطنطط " عليا و يهنى و يبهدل كرامتى و بعد كده أقوم انا معترض على طريقته يقوم هو عامل لى تأديب فياخد منى البطانية و الموقد و الكتب ..
بياخد منى كل دنيتى
كل ما املكى في هذه الدنيا
هما دول فلوسى
هما دول رأس مالى
عاوزنى بعد كده أتعامل معاه إزاى
دا " من مات دون ماله فهو شهيد "
طيب الراجل ده مش كافر يا عم
فرضنا إنه مش كافر زى ما انا بقول
بس هو بيعتدى على
بياخد منى مالى و دنيتى و حياتى كلها
مدافعش عن نفسى
مموتش نفسى عشان بطنيتى و موقد الغاز الخاص بى .؟!!
قلي إنت : انا أعمل إيه ؟
أعامله إزاى ؟!!
...........................
إنتهى يونس من الكلام .
لكن كلماته أثرت بي بشده
لقد كنت أختلف معه على المستوى الفكرى إلى حد كبير
لكنه بعد ان تكلم عن معاناته الإنسانية فإنى لم أستطع إلا ان ......
اصمت .
يونس أنهى كلامه و جاء الضابط ليخبرنا بانك إنت و عمرو ذاهبون إلى "العزب" السجن العسكري بالفيوم !!
كل من خرج قبلنا ذهب إلى أمن الدولة و بعدها بساعات ذهب إلى منزله
قلماذا نحن ذاهبون إلى سجب جديد ؟!!
استنتجنا بان امامنا أسبوع أخر في السجن حتى يتم الإفراج عنا
وقلت لعمرو : إللى صبرنا 60 يوم قادر يصبرنا اسبوع
لكن ما علمته بعد ذلك
أن الله كان يهيئ لنا تجربة جديده جدا
و في نفس اليوم
و أن الذهاب إلى سجن "العزب " يحمل لنا مفاجأة أخرى
و شخصية جديده
إنتم كده بتخليهم مشاريع أرهابيين في أقرب فرصه
يا أهلا ....يا أهلا
نورتو المكان
و أصر على أن يحمل الحقيبة الخاصة بى إلى الداخل .
كان هو السجين الوحيد المدنى في هذا السجن و الباقى عساكر .
و كان فرحا باستقبالنا .
وبعد السلامات و التحيات كانت كل الحواجز قد إنهارت بيننا و بينه و اصبح مثل أبانا الكبير و سألته السؤال الذى ظل ملازمني طوال اليوم :
ــ إنت إيه إللى جابك هنا ؟
ـــ ياااااااااااه
دى قصه طويله
انا معتقل من اوائل التسعينات في احد القضايا الكبيرة ( كانت قضية شهيرة جدا على مستوى مصر ) ، و مطلعتش لحد الآن .
أول ما إتقبض علينا رحنا سجن العقرب . و كل واحد قعد في زنزانه إنفرادى .
الشويشية قالوا إنكم صدر لكم قرار إعتقال .
و اهلنا معرفوش إحنا رحنا فين .
باب الزنزانه متفتحش علينا لمده 8 سنوات متصله !!!!!
لم نرى الشمس فيها أبدا
كل شوية يقولوا السجن مقفول لمده 6 شهور ، بعد كده السجن هيتقفل كمان 6 شهور
هيتقفل سنه
كمان سنه
لحد ما عدت ال8 سنيين .
كل واحد في زنزانه لوحده ، بيدخل ليه الأكل من خلال فتحة في الباب .
أنا ( متسائلا) : 8 سنين مشفتش فيهم السماء ؟
ـ مشفتش فيها الشمس و مش عارف هطلع إمتى و اهلى ميعرفوش انا فين !!
ـ و بعد كده ؟
ــ بعد كده نقلونا من سجن العقرب إلى سجن تانى ، كنا فيه 7 في الزنزانة ، بس الزنزانة كانت ضيقه جدا لا تسمح لنا بالنوم في نفس الوقت . فكنا نقسم الليل علينا : قسم ينام على الأرض و قسم يظل واقفا !!
( لم أستطع تخيل مثل هذا الموقف )
و فضلنا على الوضع ده لمده 3 سنيين كمان .
انا بدأت أشعر بالدوار هو يتحدث عن أحداث لا أستطيع تخيلها و يتحدث عن السنيين كأنها دقائق ، و هو برغم كل هذا كان لديه من الرضا ما يكفى محافظة كاملة .
كان يروى لنا قصته بالتفاصيل التى لا أتذكرها كلها الآن
لكنها كانت قصه شديده القسوة و هو كان شديد الرضا .
لكنى خفت أن يكون مازال متمسكا بالفكر التكفيرى او بمبدأ الإغتيالات و القتل بعد كل هذا ، فقصصت عليه مامررنا به اليوم خلال عربة الترحيلات ثم إختتمت برأيه فيما سمع و انا قلق مما قد يكون عليه جوابه :
ــ دول شباب عندهم حماسه لكنهم بيعيدوا نفس أخطائنا ، نفس الأخطاء إللى وقعنا فيها هم بيقعوا فيها تانى للأسف ، انا معرفتش إن إللى أنا بعمله غلط و إن العملية إللى انا شاركت فيها دى كانت خطأ إلا أثناء ما كنا مستخبيين و الأمن بيدور علينا .
لما قعدت مع نفسى وفكرت عرفت إننا غلطانيين ، لكن كان الوقت عدى على الندم .
أنا : ياااااااااااااه ، يعنى إنت عرفت إن ده غلط قبل ما يتقبض عليك ؟
ــ ايوة
ــ صعبة اوى على النفس
ــ صعبه لكن ربنا بييخفف
ــ بس دول أكتر من 15 سنه من عمرك
و سكت و سكت هو .
و أثناء ذلك قام للحديث مع الجنود و الشويشية و بدا واضحا حجم الحب الذي يكنه الناس هنا له و مدى التقدير و الإجلال له .
قلت له قصه الشاب الذى دخل المعتقل و هو لا يكفر أحد فتعلم التكفير بالداخل فقال لى :
انا يا ما قلت للضباط الكلام ده ، حرام عليكو إللى إنت بتعملوه في الشباب ده
إنتم كده بتخليهم مشاريع أرهابيين في أقرب فرصه
أنتم بتقولوا إحنا بنعمل كده عشان نحارب الإرهاب و إنتم مش عارفيين إن بأعمالكم دى إنتم إللى بتصنعوا الإرهاب .
بس مفيش فايده ، لا حياة لمن تنادى .
كان إحترامى له يزداد مع كل كلمة ينطق بها .
شخص له تجربة سيئة لكنها لم تؤثر به
وهو لازال لدية أمل أن يخرج من السجن ليرى أولاده الذين تركهم من أكثر من 15 عام . و ان يشاهد فرح أبنائه .
غير ناقم على الدنيا ولا على الذين ظلموه
راضى بقضاء الله له
و مقر بخطئة
و يحمل وجهه علامات الرضا و السرور .
كنت سوف أخسر الكثير لو لم ألتقى به قبل خروجى .
هذا يوم لا اعتقد إنى سأنساه بسهولة .
لكنه يوم مميز
يستحق أن يكون أخر يوم لى في السجن