الأحد، فبراير ١٠، ٢٠٠٨

الحلقة الثانية : إعترافاتى امام وكيل النيابة


ليله الخميس و الساعه الثانية عشر و نصف ليلا .............
شوارع الفيوم تكاد تكون خاليه من المارة إلا قليلا .........
و البروده تأكل العظام .........
و أنا أخرج من مقر أمن الدوله بالفيوم أحمل حقيبة صغيرة بها بعض المتعلقات الشخصية ، و ا"البطنية " الخاصه بى التى أحملها منذ الليله الأولى من إعتقالى كى تقينى البرد .
أتقدم بخطوات ثابتة إلى الشارع الرئيسى ، ثم أنظر إلى مبنى أمن الدوله بالفيوم لكنى أقرر أن أكمل السير بصورة أسرع ، أوقف تاكسى ........رغم أنى في الحقيقه لا أملك و لا حتى 5 قروش في جيبى !
لكنى بكل ثقه أوقفت التاكسى و طلبت منه بثقه أكبر أن يوصلنى إلى المنزل الذى يبعد عن الفيوم حوالى 15 كيلو .
السائق كان يدير الكاسيت بصوت عالى و احد المغنيات كان صوتها يملأ أنحاء التاكسى ، طلبت من السائق أن يخفض من صوت الكاسيت ......وبعد برهه أضفت :
" مش معقول يكون لى 60 يوم في سجن طرة و في أول خروج لى أستمع إلى الأغانى "
نظر لى السائق بإندهاش لكنى تداركت الموقف : انا سياسى مش جنائي
و عندما شعرت أنه لا يفهم ماأريد قوله أضفت : أنا إخوان مسلمين مش حرامى يعنى .
فأضاف هو و ضحكة السخرية تملأ و جهه :و انا مخبر في لاظوغلى !
ضحكت و قلت : كل لاظوغلى حبايبنا و بيحبوننا في الله !؟
أسندت رأسى إلى الكرسى ، و أخذت وضع الراحه و أغمضت عينى .
و بدأ شريط الذكريات يمر أمامى .............
بعد برهه ..
فتحت عينى و نظرت إلى الطريق و قلت :
شكرأ ............أمن الدوله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت الخطوات الأولى لدخولى إلى مكتب وكيل النيابة بطيئة مرتبكة ،لكنى على الفور إستدعيت من الذاكرة مواقف أخرى مشابهه أمام المحقق في الكلية و أمام وكيل الكلية و أمام العميد و أمام نائب رئيس جامعه القاهرة ووضعتها كلها امامى و بعدها أخذت نفس عميق و بدأ التحقيق .

وكان أول سؤال : لماذا ألقى القبض عليك ؟
فقلت له : لأنى رجل كويس !
السكرتير الذى كان يكتب توقف عن الكتابة و نظر إلى عينى مباشرة .
قال و كيل النيابة : يعنى هما مبيقبضوش في البلد دى إلا على الكويسين ، إنت أكيد عملت حاجة ؟
قلت له : و القاضى الذى ضرب "بالجزمة " امام نادى القضاه ماذا فعل لكى يضرب "بالجزمة" ، أليس لأنه راجل كويس ؟
وكيل النيابة أخذ و ضع أكثر جديه في الجلوس و توجه إلى بالكلام قائلا :دا موضوع مختلف ، أنا في الأصل ضد مشاركة القضاء في المواقف السياسية ، القضاء سلطة مستقله و لا يجب عليه أن يكون طرف في أى صراع سياسي
قلت لوكيل النيابة : لكن مواقف القضاه لم تكن مواقف سياسية ، لقد كانت مواقف وطنية بإمتياز ، المواقف السياسية من الممكن أن نختلف فيها و أن يكون لنا أكثر من وجهه نظر أما في المواقف الوطنية فإن الكل يكون مجمع عليها .
وكيل النيابة : يادكتور أحمد ، القضاه سطلة مستقله مكانها قاعات المحاكم و ليس في النوادى أو في الشارع .
أجبت : لكن ما حدث في مصر حدث في أغلب دول العالم ، تدخل القضاء في الشأن العام سمه عالمية الآن ، الأزمة الدائرة الآن في باكستان هى بالأساس بسبب أن رئيس الجمهورية "مشرف" قام بإبعاد رئيس المحكمة الدستورية العليا و الشعب رفض مثل هذا التدخل لذلك وقفت كل قوى المعارضه في موقف وطنى أصيل ضد الرئيس ، حتى في أوكرانيا عند حدوث الثورة البرتقالية فإن القضاه في النهاية هم الذين قاموا بالدور الأكبر في إنهاء الإعتصامات و إظهار النتاتئج الحقيقية للإنتخابات ......و غيرها من الدول .
وكيل النيابة : أنا أتفق معك ، هناك مدرستان في القضاء المدرسه الفرنسية و المدرسه الإنجليزية ، أحدهما ترفض تماما تدخل القضاه في الشأن العام و الأخرى تقبل ذلك . لكن طالما أن الأمور كانت تسير بسلاسه و لا يوجد تهديد حقيقى للقضاه فأنا أرى أنه لم يكن هناك أى داعى لما قام به القضاه.
أجبت : لكن أن يجتمع 6 ألاف قاضى في جمعية عمومية طارئه قادمين من كافه أرجاء الجمهورية رغم بعد المسافه و مشقتها فهذا دليل على أن هؤلاء القضاه لديهم قناعه أن هناك "شئ ما خطأ" يحدث للقضاء في مصر .
السكرتير طوال هذا الوقت متوقف على الكتابة تماما و ينظر إلى بغضب ، و المحامى الذى يحضر معى يستمع إلى الحوار في سعاده بالغه و من أن لأخر أنظر إليه فأجده يبتسم لى مشجعا لى على مواصله الحوار .
وكيل النيابة : لو هناك "شئ ما خطأ " مثلما تقول فإن من يجب عليه التحرك ليس القضاه بل الشعب .
أنا "مستفسرا": بمعنى ؟
أجاب : بمعنى أن القضاء يجب أن يظل في هيبته و مكانته و المتضرر الحقيقى من أى شئ يمس القضاه_وهم الشعب_ عليهم بالتحرك و الضغط على السلطات الأخرى من أجل مكاسب جديده للقضاه تيسير لهم أداء مهتمهم على أكمل و جه .
أجبت : و من يزعم أن الشعب لم يقم بما عليه ، لقد وقف الشعب كله خلف القضاه ، إعتصام ميدان التحرير الشهير كان دعما للقضاه ، و المظاهرات التى ألقى القبض فيها على الآف المواطنيين ألم تكن دعما للقضاه ؟! حتى المواطن البسيط الذى لا يعرف السياسه و ألاعيبها كان موقفه واضح جدا في هذا الموقف ، هو مع القضاه إلى نهاية الخط .
عند هذا الحد من الحوار كنت قد بدأ حماسي يزداد و نسيت تماما أنى أمام و كيل النيابة للتحقيق معى و لست في جلسه مسائيه هادئه مع مجموعه من المثقفيين لمناقشة الشأن العام في مصر ، لذا فقد ظل الحوار من طرفى مستمرا :
أن مايحدث الأن من إعداد مشروع جديد للسلطات القضائية هو تخطيط من أجل إضعاف القضاء أكثر مما هو ضعيف ، هذا القانون الجديد الذى لن يرضى أى قاضى في مصر سوف يفرض في النهاية على الجميع حتى يسكت صوت القضاه .
وكيل النيابة : انا لم أطلع للأسف على القانون الجديد حتى أستطيع أن أكون وجهه نظر خاصه به .
أكملت : لست في حاجة لكى تتطلع عليه لكى تكون وجهه نظر ، القضاه في جميع أنحاء الجمهورية أعلنوا رفضهم لهذا القانون ، و هم أصحاب الشأن المعنيون به ، و معنى رفضهم للقانون الجديد أن هذا القانون هو أسوأ من سابقه !
وكيل النيابة محاولا أنهاء الحوار : دى وجهه نظر بس أنا مازلت متمسك برأيي بعدم مشاركة القضاه في السياسة .
قلت : هذا رأيك و انا أحترمه ، لكن أنا كنت فقط اوضح و جهه نظرى ، و هى ليست ملزمة لك بأى حال من الأحوال .
قال : أكيد ، بس كل الكلام ده ميفرقش مع الناس ، اول ماتش كورة للأهلى هينسى الناس كل الكلام إلللى إنت قلته دلوقتى يا دكتور أحمد .
قلت له : أكيد طبعا ، لأنى الناس بتجد أن تشجيعها للنادى الأهلى ووقوفها ورائها يؤدى في النهاية إلى حصول النادى الأهلى على بطولات ، يؤدى في النهاية إلى نتائج تبعث على الفرح ، و بالتالى فإن الأهلى يصبح أهم شئ في مصر الآن ، أهم من اى قضية سياسية أو أجتماعية .
أكمل وكيل النيابة : أحد المحاميين أقترح على القبض على أبو تريكة و أسامه حسنى عشان أصبح لهم دور كبير في التأثير على الشعب في مصر ، لو ترشح أحدهم في أى إنتخابات سوف يفوز بإكتساح .
قلت له مازحا : لو تقدر تتحمل دعوات الشعب المصرى عليك من جراء هذا الأمر فأفعل !! أنت هكذا تسلب الشعب المصرى المصدر الوحيد للفرحه .
أستمر الحوار بعد ذلك في نقط أخرى لمده ساعه كاملة 9 قبل أن نبدأ التحقيق بالفعل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحت عينى للمرة الثانية و نظرت إلى الطريق و أنا أبتسم :
كيف جاءت لى مثل هذه الجرأه أمام و كيل النيابة ، و في اول مرة !!
كان المفترض ان يكون الحوار عن الشأن الخاص بى فأنطقل إلى الشأن العام من أول كلمة .
نظرت إلى السائق و جدته منهمكا في القياده و لا يعيرنى أى أهتمام فأغمضت عينى مرة أخرى و بدأت في إستعاده الذكريات مرة ثانية .

هناك ٦ تعليقات:

ابو العربى يقول...

الله عليك يا احمد

مثال للشب الواعى والناضج سياسيا والمقتنع بافكاره الى ابعد الحدود وقليل مثلك فى الاوطان وطبعا من حظك انك وقعت فى وكيل نيابه محترم
وشوفت النصيب تركب مع سائق تاكسى مخبر ياعم خد بالك بقى وربنا يستر

تقبل تحياتى انت وكل رفاقك فانتم من يحمل المصباح لينير لنا الطريق

ولا تحزن على ما اصابك فان الله لا يضيع اجر من خاف على الاوطان

ومن قال لا فى وجه كل جبان
ومن حارب وقاوم وصان

تقبل تحياتى

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


سبحان الله ... ربنا عز وجل أعطى لحضرتك الجرأة أمام وكيل النيابة ..

ليثبت له _رغم معرفته_ أننا لسنا الضعفاء أو الجيناء ..

وأننا سنمضي على طريقنا وأن الحق معنا ..

أعتقد أن صمته .. كان لعدم قدرته على اكمال الحوار وعدم استطاعته للرد على حضرتك

بارك الله فيكم
وزادكم ايمانا وثقة وقوة وعزيمة
ونصر بكم الاسلام واعزكم

مصطفي النجار يقول...

حمد الله علي السلامة
وعودا حميدا
والي الخير دوما ان شاء الله

زهرة الاسلام يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بورك فيكم أخى ...سبحان الله فهكذا هو تأييدالله لك..

فنعم ..الإصلاح القضائي هو البوابة الفعلية للإصلاح السياسي و المدخل الرئيسي للوصول لدولة القانون . و مناط الدولة الديمقراطية هو الاحترام الحقيقي للمؤسسة القضائية حامية الحقوق والحريات.

غير معرف يقول...

حبيبى د. أحمدالأبتلاء من علامات صحة الطريق.أخوك محمود سيد نق صاحب مدونة البشرى من فضلك أضف هذه المدونةalboshra2.blogspot.com

Unknown يقول...

ثبتكم الله وجعله الله في موازين حسناتك