الآن مصر في أفضل حالاتها !
هكذا يزعم البعض .
لكن الشئ الذى أثق فيه أن وضع مصر الآن أسوأ من وضعها قبل يناير 2004عندما بدات أولى المطالب الحقيقية بالتغيير و الإصلاح ، وعندما بدأ النزول إلى الشارع و محاوله توعيه الرأى العام بضرورة التغيير في مصر ، و أننا عدنا إلى المربع "صفر" من جديد و كان شيئا لم يحدث !
لقد ذهبت مطالب التغيير و الإصلاح السياسى أدراج الرياح ، و أكتشفنا أن الحرية "المزعومة" التى كنا نزعم أنه تم إنتزاعها من النظام لم تكون رغما عنه _كما كنا نعتقد_ و إنما بموافقته ،لأننا ببساطة لا نستطيع أن نقوم بها الآن .
البعض يتحدث عن أن التغيير مازال مستمرا لكنه اخد شكل "الإحتجاج الإجتماعى " بديلا عن "الإحتجاج السياسى " .
مشوار التغير في مصر لازال طويلا ، لكن يبقى لدينا أكثر من مدرسه فى التغيير :
الأولى:المدرسه اللاتينية (أمريكا الجنوبية ) : حيث اليسار يعيد تنظيم نفسه من جديد من خلال "لاهوت التحرير" ، و يكتسح الإنتخابات البرلمانية و الرئاسيه في أغلب دول أمريكا الحنوبية في تداول سلمى للسلطة يجب ان يدرس للدول الراغبه في إجراء إصلاح سياسة حقيقى .
الثانية : مدرسه التغيير في أوربا الشرقيه ، حيث الإجتجاجات ، و المسيرات ، و الثورات البرتقاليه و القرمزيه ......، و طرق التغيير بالعصيان المدنى السلمى بمساعده خارجيه !!
جورجيا و أوكرانيا
في نهاية 2003 تناقلات و كالات الأنباء الإجتجاجات السلمية المتصاعده في جورجيا ضد رئيس الجمهورية ادوارد شيفارنادزا، الأزنه اخذت في التصاعد رويدا رويدا لتحل عناوين الأخبار في أغلب المحطات الإخباريه على مستوى العالم ، و حده الخطاب بين الرئيس و المعارضه أخذت تتصاعد ، و أعلنت المعرضه أنه في اليوم الذى سيذهب فيه الرئيس إلى البرلمان فإنه ستنظم مسيره حاشده لمنع ذهاب لأنه ليس لديه أى شرعيه ! و في اليوم المعلوم ........
وبينما كنت نصف نائم و نصف مستيقظ ، و بعد يوم حافل بالأحداث ، جلست امام التلفاز لأجد صوت نشرة أخبار الجزيرة تعلن بداية "الجزيرة منتصف اليوم "و في صدر نشرتها ، و في الخبر الأول فيها : إقتحام المعارضه الجورجية لمبنى البرلمان بطريقه سلميه أثناء إلقاء الرئيس خطابه ، فما كان من الرئيس إلا أن ترك المنصه ليفر هاربا أثناء دخول المتظاهرين من باب القاعه . مشهد من المستبعد أن نتنساه بسهوله .
في يسار الشاشه يدخل المتظاهرون قاعه البرلمان ، فتنتقل الكاميرا إلى المنصه فنجد الرئيس في غايه الربكه ، فيقرر أن يترك المنصه و أن يتوجه مسرعا إلى أحد الأبواب الجانبية .
وهكذا إنتصرت "الثورة القرمزيه " !
أو "ثورة الزهور" لأن البعض قال إن المتظاهرين أثناء إقتحامهم البرلمان كانت أيديهم مليئة بالزهور !!
بعدها بعام ...
وبعد إنتهاء الجوله الثانية من الإنتخابات البرلمانية بدأت الإحتجاجات على نتائج الإنتخابات من قبل أنصار زعيم المعارضه فيكتور يوشتشينكو_رئيس الوزراء السابق_ حيث أدعى أنصاره أن هناك حالات تلاعب في النتائج لأنها أظهرت فوز منافسه بفارق 3% على يوشتشينكو على عكس إستطلاعات الراى التى سبقت الإنتخابات و التى كنت تظهر تأييد ليوشيتشينكو .ونقلت وكالات الأنباء الإحتجاجات التى بدأت فى عاصمة أوكرانيا على نتائج الإنتخابات البرلمانية ، المتظاهرون بلغ عددهم في البدايه 10 ألاف أو يزيدون ، لكنهم مع مرور الأيام إزدادوا في العدد ، و ظلوا صامدين عند محطة القطارات _مكان الإعتصام _ شهر كامل رغم البرد و الثلج ، ودخلت البلاد في ازمة ، و بدأ الحديث عن ان يوشيتشينكو تعرض لمحاوله "تسميم " و غيرها من الأقاويل التى كانت تزيد من حراره الإحتجاجات .
وفي النهاية اعلنت المحكمة العليا باوكرانيا إلغاء نتيجة الإنتخابات و إعاده الجوله الثانية مرة أخرى .
و هكذا شهد العالم إنتصار "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا .
الحالتين متشابهتين إلى حد كبير ، و لهما صفات عامة :
أولا : في جورجيا و أوكرانيا كان أسلوب التغيير سلمى إلى أقصى حد ، و بدون إستخدام أى عنف على الإطلاق ، فرغم العصيان الذى إستمر أكثر من شهر في أوكرانيا و رغم إقتحام المتظاهرين للبرلمان في جورجيا إلا أن كل هذا تم بطريقه سلمية إلى ألأقصى مدى ، لدرجة أن الثورة في جورحيا سميت ب"ثورة الزهور" لأن المتظاهرين حملوا الزهور أثناء إقتحامهم للبرلمان .اما الإعتصام في أوكرانيا فإنه إستمر لمده شهر على انغام موسيقى البوب و الحفلات الغنائية التى إستمرت ليل نهار يتخللها فاصل من الخطب السياسية !
ثانيا : في جورجيا و أوكرانيا كان الفساد السياسى و الإقتصادى هما السبب الرئيسى لبدأ الإجتجاجات ، فينما كان شيفرنازا في جورجيا يقود البلاد بديكتاتورية شديده و بدرجة فساد عاليه ، كانت أوكرانيا تمر بأزمة إقتصادية خانقه على عكس الدول المحيطة بها ، و في كلا الحالتين كان هناك تركمات لهذا الفساد منذ فترة ، لكن هذه التراكمات ظهرت عند الإنتخابات البرلمانية لتتفجر الأزمة بدرجة كبيرة و لا يستطيع أحد السيطرة عليها .
ثالثا : في جورجيا و أوكرانيا كان الدعم الخارجى صريح و مباشر ، من الولايات الأمريكية بالطبع و من الإتحاد الأوربى أيضا ، فبينما كانت المعارضه في جورجيا تتلقى أموال مباشرة من الولايات المتحده كانت المعارضه في اوكرانيا تحصل على تأييد سياسى من أمريكا و أوربا دعم موقفها بشده .
رابعا : أن الأزمه في كلا البلدين أرتبطت بإنتخابات برلمانية شاركت فيها قوى المعارضه بفاعلية و قوة وأستغلت أجواء الإنتخابات لحشد الناخبين خلف فكرتها ، و من ثم إستغلال حالات التزوير و الإنتهاكات الإنتخابية لدفع الناس إلى التظاهر في الشوارع و الميدان ، و كانت المعارضه معهم في كل مكان ، و كانت هى التى تنظم هذه الإحتجاجات و تعد لها .
خامسا : في كلا البلدين كانت الإحتجاجات بصورة رئيسية _و تكاد تكون وحيده _ في العاصمة فقط ، اما باقى البلد فلم تشارك بالفعل في الثورة !!
في قيرغيزستان .....الوضع مختلف
انا أعلم أن البعض قد أصيب بالإحباط من جراء الملاحظات السابقه ! فالدعم الخارجى و محدودية الثورة الجغرافى في نطاق العاصمة، كلها من العوامل التى تدعو إلى الإحباط ، إلا أن قيرغيزستان قدمت لنا الحل.
قيرغيزستان _وبعد الثورة البرتقالية بأربع شهور _ قدمت لنا نموذج جديد من التغيير .
في أوائل عام 2005 و بعد الإنتخابات البرلمانية ، عمت جنوب البلاد إحتجاجات عنيفة و دمويه ضد نتائج الإنتخابات التى شابها الكثير من التزوير من قبل رئيس الجمهوريه و "عائلته" الحاكمة ، و لم ينتظر المتظاهرون نتائج الإنتخابات بل قاموا بإحتلاب مبنى البلدية في إحدى مدن الجنوب بالقوة إحتجاجا على حاله الفساد السياسى و الإقتصادى في البلاد . وبعد فترة بدا الإحتجاج ينتشر من مدينه إلى أخرى حتى و صل العاصمة ، الولايات المتحده لم تعر أى إهتمام لهذا الإحتجاجات لأنها لم تدعمها و لم تخطط لها ، و لذلك فإنها إعتقدت أن مصيرها إلى الفشل ، رئيس الجمهوريه في ذلك الوقت"أشقر أكييف" أعلن أن ما حدث في جورجيا و أوكرانيا غير قابل للتطبيق في قيرغيزستان ، و كان مطمئنا إلى حد كبير ، فطالما لا يوجد دعم خارجى و الإحتجاجات في الأطراف و ليست فى العاصمة فإنه لا يزال في مأمن .
لكن ....
ماكان يعتقد أكييف أنه في صالحه تحول ضده !
فلأن غالبية شعب قيرغيزستان مسلم فإن عدم دعم الولايات المتحده لهذه الإحتجاجات أعطى هذه الإحتجاجات الشرعيه اللازمة لكى تدخل إلى قلوب الناس و إلى عقولهم ، فساعد ذلك على إنتشار فكرة الإحتجاج في مختلف الأقاليم لتستقطب قطاعات واسعه من الشعب .
وهكذا نجحت الثورة "ثورة الزنبق " أو"الثورة الصفراء" !
فرغم أن التغيير في قيرغيزستان شابه أعمال عنف إلا انه في النهايه تم بدون جود دعم خارجى من أحد ، و بدأ بالبسطاء و المتضررين فعليا من الفساد السياسى و الإقتصادى وهم سكان الأقاليم و ليس سكان العاصمة ، و الأهم انه تم في دوله غالبية شعبها من المسلمين ليعطى دلاله أن التغيير بطرق العصيان المدنى و الإحتجاجات لا يرتبط بالجغرافيا أو بالدين !
قيرغيزستان أعطتنا الأمل ....لكن هل تصلح نماذج التغيير في جورجيا و أوكرانيا و قيرغيزستان للتطبيق في مصر ؟ !!
مقطع فيديو و في وسطه تجد لحطة إقتحام المعارضه لمبنى البرلمان أثناء إلقاء الرئيس لخطابه