الجمعة، يناير ٠٨، ٢٠١٠

الإحتقان الطائفى


من لم يستفد بنظرة ، لن يستفيد بسمعه

و  المعنى : أنك إذا لم تستفد مما تشاهد وتعايش  وتكون حاضرا فيه بجسدك وعقلك ونظرك ، فإنك لن تستفيد مما تقرأ في الكتب أو تسمعه خلال المحاضرات والندوات .

لأن من رأى بعينه  غير من سمع بأذنه

والفرق كبير !

والأمر ينطبق عن العلاقة بين المسلمين و المسيحيين بمصر   

فلن يجدى الحديث عنها من خلال اللقاءات الحكومية التى تقام من وقت لأخر لجمع رجال دين مسلمين مع رجال دين مسيحيين في نفس القاعه ، ثم حديث عن الروابط التى تجمع " عنصري الأمة " ، ثم مجموعه من المجاملات و القبلات ....ولا شئ بعد ذلك .

ولن يجدى معها الحديث من خلال نصوص القرأن و السنة التى تتحدث عن معاملة غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية ،وسردها وشرحها ....والدندنة حولها . لأن هذه النصوص إذا لم تتحول إلى واقع على الأرض فإنها تظل كلام على الورق يتم تجاهله عند النزول إلى أرض الواقع .

ولن يجدى معها التأكيدات من القيادات الكنسية من ان المسيحيين جزء من نسيج المجتمع المصري ، و أنهم جزء من الحضارة العربية الإسلامية حتى لو لم يكونوا مسلمين ، وأن التسامح و المحبة هو الذى يحكم العلاقه بين المسيحيين و المسلمين . لأن ما نراه على الأرض يثبت لنا أن ما يحكم العلاقه بالفعل : قيم أخرى ليس لها علاقه بالمحبة ،وليس لها علاقه بالتسامح .

ولى على ذلك شاهد ودليل .!

 

الموقف الأول : في أثناء أحد النوبتجيات جاءت لى سيده عجوز  تولول وتصرخ ( كانت في حقيقة الأمر مصابة بصدمة عصبية ) ، وعلمت في أثناء الفحص أنها مسيحية و أن جيرانها قاموا بإغلاق باب منزلها من الخارج عليها و على عائلتها ، ثم قاموا بإضرام النار في المنزل !، و الهدف من وراء ذلك حرقهم داخل بيتهم .

 

الموقف الثاني : في أحدى المحافظات قام المسيحيون بإستفزاز مشاعر المسلمين ، الموقف تتطور من الحديث الودى إلى النقاش الحاد الذى إنتهى بدوره إلى : أعلى ما في خيلكم أركبوه !

أعلى ما في خيلهم كان الدخول في مصادمات بين الجيران بعضهم وبعض ، والكل يتنافس في سباق محموم للتخلص من جاره قبل أن يتخلص جاره منه !

 

انا لدى عدد أخر من المواقف و الشهادات التى تملأ الصحف و المجلات والتى يمكن الرجوع إليها بسهوله لمن أراد ، لكنى عرضت منها المواقف التى كنت جزأ منها أو شاهدا عليها .

لكن المواقف في هذا المجال أكثر من أن تعد او تحصي  .

 

يمكننا بسهوله من خلال تصفح المجلات و الجرائد والعودة إلى الموقفيين السابقين أن نلاحظ أن :

التطرف الدينى لم يعد حصرا فقط على فئات ضيقه من المجتمع المصري ( سواء المسلم  أو المسيحى ) الذى قام بتفسير النصوص الدينية حسب تأويلات شاذه ومتطرفه. بل أن المصيبة الكبرى أن هذا الفهم الخاطئ الذى يحكم الان العلاقه بين المسلمين و المسيحيين أصبح منتشرا بين عوام الناس . بمعنى أخر : أن التطرف إنتقل من طرف المتدينين الذين فهموا النصوص على نحو خاطئ إلى عوام الناس .

الملاحظة الثانية : أنه فيما كانت الدوله تقف بحزم و صرامه ضد أى اعتدائات تتم على اساس دينى فيما سبق ( ربما لرغبتها في الإستفاده من هذه الأخطاء للقضاء على الحركات الإسلامية التى استخدمت العنف كوسيله للتغيير ) فإنها الآن تقف _وبامتياز – في موقف المتفرج الذى يرفع يده من الأحداث ( لا اريد أن أكون أكثر حده و أقول أنها ربما تساهم في إشعالها بطرق غير مباشره ) ، و امام ناظرى كانت أحد القيادات الأمنية تخبر أحد المصابين في أحد الحوادث الطائفية أن والده ( زى الفل ، و هيخرج من المستشفى النهارده و يروح ) رغم أخبار الطبيب لهم أن حاله الرجل شديده السوء وأن وضعه حرج و ربما لا يجدى معه التدخل الجراحى !!

الملاحظة الثالثه : أن إضاعه الحقوق ، و عدم التعامل مع مثل هذه الحوادث من خلال القانون و تحقيق العداله أدى إلى تراكمات من المظالم التى أدت إلى تكوين قناعه لدى قطاع عريض من الناس من أن المظالم لن ترد من خلال القانون و أن الموضوع سوف ينتهى في نهاية المطاف على كلمات تطيب الخواطر و تهدئ النفوس دون النظر إلى حقيقة ما جرى و من الظالم و من المظلوم .

الملاحظة الرابعه : أن هناك الكثير من المستفيدين من مثل هذه الحوادث سواء من داخل مصر أو من خارجها ، وقد وفروا البيئة المناسبه لها من خلال الدعم المادى و المعنوى و الشحن الطائفى من الخارج . و هذه النقظة لن أتحدث فيها كثير ا و لكنى أحيلك إلى المنتديات و اليوتيوب للتأكد من هذا الرأى .لكنى اكتفى هنا بالتذكير من أن : لا أحد من هؤلاء سوف يصاب بأى أذى أو يضر عندما تحدث الحوادث الطائفية ، فمن يقتل و يصاب في نهاية المطاف هم الأطراف الغير معنية بالموضوع أو الطرف الذى تم تحريضه و دعمه من الخارج .

 

حادث نجع جمادى أعاد التذكير بوضوه بان هناك احتقان طائفى في مصر ، وهو امر لا يمكن انكاره ، و أن النظام يتعامل معه بطريقه خاطئة و يديره إداره سيئه ، و أعاد التذكير بأنه إذا لم يكن هناك مشروع حضارى مشترك يلتف حوله المصريون ، و رؤيه مشتركه لمصر الحاضر و المستقبل فإن البديل هى النظرات الضيقه و المطالب الطائفية ومزيد من الإحتقان الذى لا يعلم نتيجته إلا الله .