الخميس، ديسمبر ١١، ٢٠٠٨

أحيا الناس جميعا


: إنت إتكتب لك عمر جديد يا ابويا 
: ربنا يخليك يا دكتور 
: إنت لو تعرف إللى حصل لك إمبارح هتفضل طول عمرك تقول :الحمد لله .....و متكفيش 
: كله بفضلك يا دكتور 
: كله بفضل ربنا ، قول الحمد لله 
هذا المريض كتبت له حياه اخرى من لا شئ على الإطلاق ، و عندما اتصور ان هذا المريض لو تغيرت الظروف لكان الآن في تابوت في إنتظار ان يصلى عليه صلاه الجنازة بعد صلاة الظهر ، و زوجته تواصل معزوفه "الصويت " الأخيره ، و ان أبنائها الصغار كل منهم سوف يظل يفكر لمده طويله _و ربما طوال العمر _ عن مصدر للرزق فإنى أرجع و أقول " فكأنما أحيا الناس جميعا " . 
نحن بالفعل لا نعرف قيمة ما نقول و ما نسمع إلا بعد أن نمر به فعلا و نكون جزأ منه ، و قتها يمكننا فقط ان نقول نفس الكلمات التى كنا نرددها من قبل و لكن "بطعم " مختلف . 
وقف هذا المريض الليله السابقة على باب العناية المركزة باديا عليه أثار إرهاق من تلك التى يمكن أن تشاهدها على وجه فلاح مصري بسيط قضى طول النهار في فلاحة الأرض و عاد ليلا في قمة التعب بعد كل هذا الجهد البدنى الذى بذله طوال اليوم . 
فلاح مصري بسيط مثله مثل أى فلاح مصري أخر 
فالكل سواء في الشكل 
و السمت 
و الجهل 
و المرض 
..........
.........
وطيبة القلب 
وترك الأمور تجرى كما أراد الله بدون إظهار أى محاوله لتغييرها . !
مشتكيا من ألم "بسيط " في صدره لكنه ليس بالمؤلم و لا بالمقعد عن الحركة . 
العمر في أواخر الثلاثينات أو أوائل الأربعينات .......هذا على الورق 
أما في الواقع فإن ملامح الستينات تبدوا بادية عليه بوضوح 
فلاح مصري أصيل أنهكته الأرض حتى قضت على صحته في عز شبابه .
لا يوجد أى تاريخ مرضى للعلاج من أى امراض لكننى أقسم من الآن اننا لو نظرنا إلى كبده فسوف نجد هذا المنظر المصرى الصميم " كبد صغير الحجم رغم كبر بطنه محاط ببركة من السوائل له حواف غير مستوية و له طحال طوله أعلى من أى طول مكتوب في الكتب الإفرنجية التى نذاكر منها " 
طبيب الإمتياز وقف حائرا : هل يرده من حيث جاء ام يقوم بعمل رسم القلب له ؟ 
لو كان يعانى من ذبح صدرية أو بدايات جلطة فإنه بالتاكيد سوف يعانى من ألم " شديد " في الصدر وليس مثل هذا الألم "البسيط " 
و لكنه لأنه طبيب امتياز لازال في مقتبل حياته فإنه قرر أن يطلب منه عمل رسم قلب للإطمئنان لا أكثر .
استئذن من النائب الموجود في هذا الوقت في العناية فأذن له . 
وما هى إلا ثوانى قليله و كان مدير المستشفى و مدير قسم الحالات الحرجة في زيارة مفاجئة إلى العناية بعد منتصف الليل من أجل الإطمئنان على إحدى المريضات .........بالطبع ليست مريضه عادية بل مريضه تم التوصيه عليها من طبيب كبير او مسؤل كبير في المحافظة و إلا فإن المكان الطبيعى لمدير المستشفى الآن هو عيادته الخاصه او سريره الخاص !! 
وعمت الفوضى العناية .........
تجمع الأخصائى و النواب و اطباء الإمتياز حول مدير المستشفى ، الكل يحاول يظهر أنه موجود و انه حاضر ، و الكل يريد ان يمد يد المساعده لهذه المريضة " الغلبانة " . 
وجائت الممرضه إلى طبيب الإمتياز مسرعه برسم القلب الخاص بالفلاح و هى تحاول أن تلحق "بالزفه " المقامة الآن حول سرير المريضه و مدير المستشفى . 
رسم القلب تم عمله بطريقه خاطئة أدت إلى عدم ظهور جزء منه . 
طبيب الإمتياز في حيره من أمره ........
نادى على الممرضه 
جاءت إليه و علامات "القرف" على وجهها من هذا الطبيب الصغير الذى ليس لديه خبره مثل تلك التى لديها بعد 10 سنوات قضتها في هذا القسم و اصبحت بعدها على ثقة من أنها أفضل من أى طبيب هنا و أن ما ينقصها فقط هو أن تتحدث الإنجليزية !!!
طلب منها بأدب ان تعيد رسم القلب مرة أخرى 
: لأ ، أعيده ليه ، ما هو قدامك أهو ؟ إيه إللى ناقصه ؟ 
: رسم القلب ناقص و مينفعش الحكم على المريض بيه . 
: مش مهم الجزء إللى ناقص ، أهم حاجة الجزء إللى موجود ميكونش فيه حاجة 
: مينفعش ، رسم القلب لازم يتعاد من اول وجديد و يتعمل صح عشان نقدر نحكم على العيان . 
: انا مش هعمل رسم قلب تانى . 
: يعنى إيه مش هتعملى ؟!! 
: مش هعمل تانى ، رسم القلب يتعمل مرة واحده .....هو إحنا فاضيين عشان نعمل لعيان رسم قلب مرتيين . 
طبيب الإمتياز شعر أن البقية الباقيه من كرامته تهان الآن من قبل الممرضة التى تعلن بصراحة و بدون مواربه انها لن تنفذ أوامره لأنها تشكك في قدراته الطبية . 
وكأى طبيب إمتياز جديد .....بدأ الصراع النفسي يشتد 
لكنه أتخذ قراره 
إنت هتعيدى رسم القلب ده حالا ....أنا الدكتور هنا ، و انا إللى أقول رسم القلب ده ينفع و لا لأ . 
كان صوته قد ارتفع لدرجة لاحظها كل الموجودين بالغرفة دون أن يعلقوا عليها 
وشعرت الممرضه أنها فى موقف محرج فذهبت غاضبة لإعاده رسم القلب . 
الطبيب ظل واقفا في مكانه 
حاله من الإرتباك تسيطر عليه 
طائفه الموالسين لازالت مع مدير المستشفى لا تلقى بالا لهذا المريض الفقير الذى يشتكى من ألم "بسيط " في صدره . 
و الممرضه تعيد رسم القلب للمرة الثانية و هى في قمة الغضب 
و الطبيب في الإنتظار . 
..........
جاءت الممرضع تحمل رسم القلب للمرة الثانية 
وبدا أن هناك شئ ما غير طبيعى 
ذهب طبيب الإمتياز إلى النائب 
: فين الحاله دى ؟ 
:في أول العناية 
: دى لازم تتحجز بسرعه ، دا عنده جلطه على القلب . 

::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

 


الاثنين، ديسمبر ٠١، ٢٠٠٨

الحلم الجميل

من كان ذا حلم وطال به المدى .....فليحمه 
و ليحم أيضا نفسه من حلمه 
فالحلم يكبر أشهرا في يومه 
ويزيد دين الدهر حتى يستحيل 
فإذا أستحال ترى ابن أدم راضيا من أى شيئا بالقليل 
لا تقبلوا بالقبح يا أهلى مكافئه على الصبر الجميل 
فالصبر طول الدهر خير من خلاص كاذب
مافيه من صفه الخلاص سوى إسمه 
مقطع من قصيده : 
العرش الخلي من الملوك 

الجمعة، نوفمبر ٢٨، ٢٠٠٨

الذين أحبهم


في طابا 
على البحر 
و علم إسرائيل على بعد خطوات قليله 
جلست مجموعه من القيادات الأمنية المصرية في مراكز مختلفه وقطاعات مختلفه 
كان ذلك جزء من أسبوع ترفيهي
وبينهم شخص مدنى وحيد 
شاءت ظروفه أن يكون معهم بالقدر 
ودارت عجله الحديث 
بدأت بالحديث عن النساء الجالسات الآن على الشاطئ أمامهم 
ومرت على مواضيع أخرى مختلفه 
ومثلها مثل أى جلسه رجاليه 
إنتهت بحال البلد 
وبدأت كل قياده من هذه القيادات الأمنية تتحسر على ما يحدث في مصر 
 من سرقه 
وفساد 
ونهب للمال العام 
الشخص المدنى الوحيد الجالس بينهم بدأ فمه يفتح .....
وعلامات التعجب بدأت تظهر عليه 
الحديث بدأ يمتد إلى رموز الحزب الوطنى 
هنا صديقى لم يجد نفسه إلا قائلا : 
إنتم مش عاجبكم حال مصر و إنتو السبب في إللى بيحصل فيها 
ده مفيش حد محترم في البلد دى إلا و كنتم السبب وراه عشان تقضوا عليه 
أحسن الناس في القضاه 
و احسن الناس في الصحفيين 
و أحسن الناس في العمال 
و أحسن الناس في الطلبة 
و أحسن الناس في الموظفيين 
و أحسن الناس في رجال الأعمال 
أنتم السبب في إنهم يهاجروا و يسيبوا البلد 
و أحسن الناس في أصحابي هو اللى أعتقل رغم إن كل الناس بتحبه لدينه و أخلاقه 
دا لو رقاصه رقصت في الشارع زي دينا مثلا الأمن هيكون مسؤل عن تامين "وصله الرقص " حتى تنتهى بأمان 
ولوواحد قعد في الجامع يقرأ قرأن ممكن يكون مصيره أنه يروح امن الدوله 
أنتم السبب في إللى بيحصل في مصر دلوقت . 
******************************

ماالخطأ الذى وقع فيه محمد خيرى و محمد عادل حتى يتم إحتجازهم ؟
هو السؤال الأكثر أهمية في الموضوع 
محمد خيرى طالب في كلية حاسبات ومعلومات ، لديه حماس شديد و طاقات كبيرة ولو كنا في مكان أخر غير مصر لربما كان له شان أكبر . لأنه في أى مكان خارج مصر هناك من يبحث عن شخصيه لديها صفتين رئيسيتين : الحماس و المواهب . و محمد لديه الإثنيين . 
وهو فوق ذلك صغير السن و ليس لديه أى صفات تعيق أن يكون شخصيه ناجحه :عائله قوية ، مستوى تعليم جيد ، أخلاق عاليه ، وأصحاب كلهم تقريبا لهم نفس الطموحات و الامال . ولا يعلم عنه انه يتعاطى أى مواد مسكرة أو مخدرات قد تؤثر على قواه العقليه ، و ليست له أى علاقات نسائية مشبوهه . 
أعتقد ان هذه هى المواصفات العاديه لأى شخصية ناجحة . 
لكنه لديه عيب خطير من وجهه نظر أمن الدوله التى هي الحاكم الفعلى لمصر حاليا على أرض الواقع ( دعك من لجنة السياسات و أحمدعز فهؤلاء هم الجزء الصغير الظاهر من جبل الثلج أما الجبل نفسه المختفى تحت الماء فهو أمن الدوله ) هذا العيب هو أنه : مهتم بالشأن العام . 
المحتفظين ببرائتهم حتى الأن لن يعتبروا هذه الصفه من العيوب بل من المزايا ، أما الذين ذاقوا هراوات الأمن المركزى و قضوا فتره خلف الجدران او ذهبوا مره إلى أحد مقرات أمن الدوله فانهم بالتأكيد سيعلموا مدى فداحة ما يمكن أن تؤدى به هذه الصفه (التى هى الإهتمام بالشأن العام ) بصاحبها . 
محمد احتجز في 2005 لأنه أراد أن يشارك في إنتخابات مجلس الشعب بصفته مواطنا مصريا له الحق في أن يختار من يريد نائبا له عن دائرته ، لكن عاقبه هذه الفكرة كان الإحتجاز لمده يومين . 
وعاقبه إهتمامه بقضيه فلسطين ان تم إحتجازه أثناء محاولته الذهاب إلى أحد الفعاليات في القاهرة لمناصرة فلسطين ، و لأنه لا يقبل أن يحاصر شعب عربي مسلم فإن شارك في قافلتى فك الحصار عن غزة فكان عاقبه ذلك أن يكون خلف الجدران حتى الآن  دون تهمة و بعد أن أفرجت عنه النيابة . 
لم يرتكب جرما ولا خطيئه . 
جريمة محمد انه إهتم بالشأن العام .!


***********************************
يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين 
منحدرين في نهاية المساء 
في شارع الاسكندر الأكبر : 
لا تخجلوا ..و لترفعوا عيونكم إليّ 
لأنّكم معلقون جانبي .. على مشانق القيصر 
فلترفعوا عيونكم إليّ 
لربّما .. إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ 
يبتسم الفناء داخلي .. لأنّكم رفعتم رأسكم ..
 مرّة

*********************************

محمد عادل جريمته أفدح 
لأنه ما ترك تضامنا مع احد من المعتقلين و لا مسيره تنادى بالإصلاح أو وقفه إحتجاجية ضد ما يحدث من تجويع لشعب غزة إلا و شارك فيها . 
وخلال 4 سنوات لم يفقد الأمل و لم تذهب الحماسه 
ظل رغم سنه الصغير في الصفوف الأولى رغم ما تعرض له من تضييق و إعتقالات سابقه .
محمد جريمته أفدح لأنه أمن أن حماس هى خط الدفاع الأول عن مصر 
و أن وجود الإسرائيلى على أرض غزة معناه وجوده في سيناء . 
و أن أمن مصر القومي يتحقق عندما يكون هناك في غزة من يردع الإسرائيليين عن التفكير في دخولها أو الإقتراب منها . 
محمد فهم ببساطة و بدون أن يكون في كليه سياسة و إقتصاد و دون أن يلتحق بوزارة الخارجية المصرية و دون أن يكون في الأمن القومى الحقيقة التى يعلمها أى من يفهم في طبيعه الأمن القومى لمصر . 
لكنه " عوقب " من اجل هذا الفهم بدل أن يكافئ . 


*****************************

هل محمد عادل و محمد خيرى بلا أخطاء ؟ 
بالطبع لا 
قد يخطأ كل منهم بسبب نقص الخبرة أو الحماسه الزائده أو التهور في بعض الأحيان لكن إذا اجدنا التعامل مع مثل هذه اخطاء فإننا في النهاية سوف نكسب في المستقبل نماذج قادرة على صنع أثر حقيقى في الحياه . 
إن العبره ليست بأن تخطأ بل في أن تستفيد من أخطائك ، و ان تجد من يعيينك على تصحيحها . العالم الآن تحكمه عقول شابة . 
أوباما في أوائل الخمسينات من العمر ،
أربكان في أوائل الخمسينات ،
 أحمدى نجاد 
القيادات الشابة التي استفادت من فترة شبابها هى التى تحكم العالم الآن . 
إن حكمة الكبر لن تأتى إلا بعد التعلم من التجارب الغير ناجحة في فترة الشباب . 
ليست دعوه إلى الخطأ و لكن دعوه لترك الجيل الجديد من الشباب يكتشف بنفسه و يجرب بنفسه لعله يأتى بما لا يستطيع به الكبار . 
ولازلت أذكر كلمة د/عبدالمنعم ابوالفتوح لنا _نحن الطلبة الجامعيين _ بأن ننطلق "بحماس " لنعمل و نتحرك ،و أن لا نخاف من الخطأ فإنتم لن تتعلموا إلا من أخطائكم . 

**********************************
قلت له : 
و امامك 3 دول يمكنك أن تهاجر لهم بسهوله و طريقتك للهجرة معروفه : كندا و استراليا و المانيا ، و سوف تجد فيهم ما تريد : العلم و المال . 
قال لى : مفيش إلا 3 دول فقط ؟ 
قلت له : هناك الكثير ............لكنه كله بتمنه و بصعوبته ، التلات دول هما أسهل دول ممكن تهاجر ليهم . 
: جميل ، و أنت لما عارف كل المعلومات دى ، مهاجرتش ليه ؟
: مش قادر أتخيل نفسي بره مصر ، حاسس إنى مش هقدر أعيش . 
: يا فقرى ، يعنى إنت عارف تعيش هنا في مصر ! 
ودار الحوار دورته ........
عن العلم 
و المال 
و الوظيفه 
والزواج 
وبعد أن اغلقت كل الطرق في وجهى وجدتنى قائلا : 
كده العيشة لا يمكن تنفع بالطريقه دى ........مش عارف أعمل إيه 



*************************

قالولى بتحب مصر 
قلت مش عارف 
ما يجيش في بالي هرم ما يجيش في بالي نيل
ما يجيش في بالي غيطان خضرا وشمس أصيل
ولا جزوع فلاحين لو يعدلوها تميل
حكم الليالي ياخدهم في الحصاد محاصيل
ويلبّسوهم فراعنة ساعة التمثيل
وساعة الجد فيه سخرة وإسماعيل
ما يجيش في بالي عرابي ونظرته في الخيل
وسعد باشا وفريد وبقيّة التماثيل
ولا ام كلثوم في خِمسانها ولا المنديل
الصبح في التاكسي صوتها مبوظُّه التسجيل
ما يجيش في بالي العبور وسفارة اسرائيل
ولا الحضارة اللي واجعة دماغنا جيل ورا جيل
قالولي بتحب مصر أخدني صمت طويل
وجت في بالي ابتسامة وانتهت
بعويل

**********************************
الذين أحبهم بصدق ذهبوا جميعا إلى السجن إلا قليلا 
الذين أحبهم بصدق أشتاق إليهم 
فأبحث عنهم 
فاجدهم خلف السجون 
الذين أحبهم بصدق 
يتعذبون من أجل أنهم مازال لديهم القدرة على الأمل 
فمالعمل ؟!!



الاثنين، نوفمبر ٢٤، ٢٠٠٨

الخميس، سبتمبر ٢٥، ٢٠٠٨

زيتون الشوارع

بقليل من الجرأة، يمكن القول إنها واحدة من أكثر الشخصيات حضوراً ممن رأيت في حياتي.. ولا أقول ذلك لأنني سلوى..

تلك هي الست زينب.

تأخذك بساطتها، قامتها، لهجتها المُطعَّمة بلهجة أهل فلسطين، يأخذك بريق عينيها، وثقتها في شرعية سؤالها الصعب، وهو يحمل عذاب الإجابة، لا الإجابة نفسها. 

: أحياناً أتساءل، أكان يمكن أن أكون أقل غربة هناك بين أهلي؟ أحياناً أتساءل، ما الذي فقدته هناك في فلسطين لأواصل الحياة هنا لاجئةً، على بعد ساعات من وطني وأهلي؟ أحياناً أقول إن بإمكاني العودة إليهم، إلى ذكريات طفولتي، أسترجعها، وأعيش ما لم أعشه منها؛ لكن شيئاً ما أحس أنه انتُزع مني هناك في فلسطين، هل اسميه حياتي؟ هل أقول خيار روحي في أن أكون الإنسان الذي أريد، وكما تشتهي كلُّ خليَّة فيه؟ 

..أنا زينب، أنظر إلى نفسي الآن، ولا يخطر ببالي للحظة أنني أخطأت الاتجاه، حتى وأنا أنظر إلى هؤلاء الذين حولي وهم يرسمون صورتي، كما لو انهم يرسمون النهايات.. 

.. كلما أصبحتَ جزءاً من فكرتكَ، قالوا إنكَ موشك على الجنون، أما حين تصبحها فإنكَ الجنون نفسه! أليس كذلك؟ كأن هناك مسافة أمان لا بد منها بينك وبين نفسك، إذا تجاوزتها ستخسر كلَّ شيء. 

.. كنت أحشر أمتعتي في حقيبة صغيرة، أبكي وأضحك في الوقت نفسه، لكني، حتى الآن، لا أستطيع إدراك السبب الحقيقي لذلك البكاء، ولا لذلك الضحك. 

وحين قلتُ لعلاء الدين: لا بد لي من أن آخذ الكتب. 

قال: في هذه لا أستطيع أن أقول لا. 

دخل خلْفي، وحين بدأتُ بإنـزالها من على الرفّ، ضحك، وقال لي : هذا الكتاب موجود لدينا في البلد، وهذا، وهذا. 

لم أصدّق أن مكتبتين، واحدة هنا في (السبع بحرات) والثانية في (عكا) تعيشان حالة التوأمة هذه. 

: أنتَ تمزح! قلت له.

: لا، لا أمزح والله. 

كانت الحقيقة بسيطة، لكنها جميلة، وهي أن هذه الكتب صادرة ضمن سلاسل شائعة لا أكثر، لكنني اعتبرتُ تلك الحادثة فأل خير. 

***

تحرك الجمرُ في قلبِ أهل البلد: لقد تأخر علاء الدين، هل يكون قد حدث له مكروه لا سمح الله، هل أمسكوه في الطريق؟ هل نرسل أحداً للبحث عنه؟ 

مصادر السلاح معروفة لهم، والحاج عبد الحميد، صديق قديم للثورة، حـارب معهم كثيراً وهم يرجونه: يا حاج استرح أنت، عمركَ لا يساعدك. 

ويُحرجهم: اعترفوا.. أنتم زهقتم مني، أصبحتُ ثقيلاً عليكم! 

: لا والله.. اذهب إلى وطنك وأحضر أسرتك وتعال، ثم ادخل البلد من الجهة التي تريد، واختر البيتَ الذي يعجبك. 

: اسمعوا، لم يزل فيَّ بعض القوة، ومن العيب إهدارها في مكان آخر، أو مهمة أخرى أقل نُبلاً من هذه المهمة. 

لكنه اعترف أخيراً أنه كبر، حين لم يستطع الانسحاب من إحدى المعارك الصغيرة، مما أدّى إلى بقاء عدد من المقاتلين الشباب معه. 

: انسحبوا أنتم، أنا سأبقى. 

: لن يكون. 

كانت الأسلحة الإنجليزية تتدفق إلى أيدي الصهاينة دون توقف، وبدا واضحاً أن الحالة كلها تسير في اتجاه غير ذلك الذي ظلّت تسير فيه إلى أمد طويل. المعارك أكثر شراسة، وحتى الصغيرة منها. نهاراً كاملاً حوصروا، رأوا الموت خلاله يذرع التلال، ويُحْكِمُ ظلامَه عليهم، وظلوا يقاتلون، وهم يرون أن كل رصاصة يطلقونها، جزء من روحهم، وخطوة للموت باتجاههم في زمن الرصاص القليل ذاك. 

***

: ستكون مركز حصولنا على السلاح في الشّام، قالوا له. 

***

: أحببته منذ رأيته، خرجتُ لأفتح الباب، وانفتحتْ أبواب قلبي كلها ذلك النهار. 

: قولي للوالد: جاي، والنخلة جايّة معاه!!

: مين؟

: النخلة!

ولم يكن ثمة نخل معه، لا أمامه، ولا خلْفه، ولا على جانبيه. 

:لم أفهم! 

: كما قلتِ لكِ، قولي للحاج: جاي، والنخلة جايِّه معاه. 

قلت: لعله النخلة نفسها، كان طويلاً ووسيماً، ببدلته السوداء وطربوشه الأحمر. 

: مين يا زينب؟

جاءني صوت أبي عبر الحوش، وكنتُ أمام الباب حائرة. 

: مين ؟ أعاد السؤال. 

قلت مرتبكة: جاي، والنخلة جايّه معاه. 

: ادخليها، ادخليه بسرعة. قال لي بلهفة. 

فعرفت أي خطأ ارتكبته حين أبقيته هناك أمام الباب ينتظر. 

حدّق فيه أبي ، وهتف مبتهجاً كطفل: علاء الدين؟! الله.. لقد أصبحت رجلاً. 

***

: أين الست زينب؟

صرخت سلوى في وجه عبد الرحمن.

: أينها؟!

ودقّت على المخطوط

: لم أرَ غير شبحها هنا، كلّنا تحولْنا إلى أشباح حين كتبتَ عنا، وقد كنا بشراً، أتفهم ما معنى كلمة بشر؟ من لحم ودم وروح. 

***

لقد كانت ليالينا طويلة، أنا والست زينب، بما يكفي لأن نستعيد حكاياتنا آلاف المرات. لم يكن لدينا في الحقيقة غير الليالي.

***

: قال لي أبي فيما بعد، إنه كان يحبُّ هذا الفتى حباً خاصاً، لأنه أذكى عفريت صغير شاهده في حياته، وقد استطاع بجرأة نادرة تهريب مسدّسين وقنبلة إلى السجناء الثوار في سجن (عكا) مكّنتهم من الهروب، بعد أن هددوا بها الحراس. هذا هو علاء الدين يا زينب. 

: وأحببته. قالتْ لي. أحببته أكثر، ولم تكن فلسطين قد تحولتْ إلى قطعة لحم يلوكها كل من له أسنان، كما يحدث اليوم. كانت جزءاً أصيلاً من شرف الناس. تعرفين يا سلوى! لقد أُعطيتْ الإنسانية مدة كافية لتثبت أن لها ضميراً في المسألة الفلسطينية، لكنها للأسف أثبتت، حتى اليوم، أنها بلا ضمير. بالنسبة لي، بقيتُ أتساءل: هل أحببته فعلاً، أم أنني كنت ألبي دعوة غامضة من ذلك البلد الذي جاء منه؟ أيامها، لم يكن الإنسان يفكر مرتين، إذا ما سمع النداء: إخوانكم في الجبل (الفلاني) محاصرون، ويطلبون نجدة، كان الإنسان يُلقي ما في يده ويمضي دون أن يلتفت وراءه، كان نداء الحرية أكبر من نداء الخبز، وأجمل من الأولاد والزوجة والوظيفة ودفء البيت. 

***

: هل بقي شيء يا علاء الدين تريد أن تأخذه معك؟

سأله أبي . 

: ارتبك. وكان طوال الوقت يتباطأ. 

: يمكن أن نحضر السلاح غداً، بعدَ غدٍ، أريد أن أرى مدينتكم أيضاً. 

ولم يكن يغادر بيتنا

: ترى مدينتنا وأنتَ بين أربعة حيطان! لقد تأخرتَ أكثر مما يجب، عليك أن تُجهّز نفسكَ للعودة غداً. 

:غداً!! ولكن، عمّي، لم أرها بعد. 

: اطمئن.. ستراها كثيراً هناك! 

ولم يبق له كلام يقوله. 

: يا زينب. 

: نعم أبي. 

: جهزي نفسك ستذهبين مع علاء الدين غداً، أما الليلة فسنكتبُ كتابكما. 

: أبي!!

وطرتُ فرحاً. 

: أنا بمقام والدكَ، وأستطيع أن أزوّجكَ أيضاً، وعلى كيفي!! قال لعلاء الدين

: عمّي!!

: العبْ غيرَها، هذه الحركات نعرفها حتى قبل أن تولدوا، أنسيتَ أنني كنتُ شاباً أيضاً. 

***

: بكيتُ حين ودَّعتُ أُمي، أبي ، وأُختيَّ؛ ولم أكن أعرف سبب البكاء، هل لأنني فرِحَة بذهابي معه، أم فرِحة لأنني سأرى فلسطين أخيراً، فلسطين التي لم أرها بعيدة في أيّ يوم من الأيام، لأقول بأنها ستبعدني عن أهلي. 

: أمي أسمتني علاء الدين، لأنها أحبّت حكاياته في ألف ليلة وليلة. قال لي في الطريق. 

***

: تناسوا قلقَهم كلَّه، تناسوا أنهم أرسلوه لإحضار السلاح، حين رأوني معه، والتَفَّتْ البلدُ حولي

:علاء الدين، ما الحكاية؟!

سألوه. 

: زوجتي، أشار إليّ. 

وعمَّ الوجوم. 

: زينب، ابنة الحاج عبد الحميد. أضاف.

:ابنة الحاج عبد الحميد!

.. لم أكن أُدرك مكانة أبي عندهم قبل ذلك، مئات الشفاه اندفعتْ تُقبِّلني دون توقف، غير مُصدِّقة؛ شفاه تهذي: ابنة الحاج عبد الحميد، يا هلا. 

لم أكن محبوبةً في حياتي كما كنتُ محبوبةً تلك اللحظة. حتى حب علاء الدين لم يكن يماثل ذلك الحب. كنتُ أعتقد أن لقائي به، أجمل لحظة في حياتي، لا.. كانت تلك أجمل لحظة في حياتي، إلى أن أطلَّ أيمن على الدنيا؛ حينها، التفتُّ خلفي، ورأيت زماني كلّه هناك، وهمستُ في أُذنه: الأمل فيك! أيمن الذي كدتُ أن أضيِّعَه في ليلة الموت تلك، حين عبرتُ البر بحثاً عن علاء الدين. 

***

وحيداً أطلَّ حصانه، وحزيناً، في ذلك الغروب. تردد كثيراً عند الباب، قبل أن يصهل، ويمزِّق ذلك المساء بحوافره، ويبكي. 

وعرفت: كان الكائن الوحيد الذي تجرأ على إيصال الخبر إليّ، وظلَّ يصهل، ويبكي، إلى أن وجدتني فوق ظهره. 

: إلى أين يا زينب؟! 

خيطانِ من الدمع فوق وجه الحصان، وآخران على وجه زينب. 

راح يعدو، ويعدو.. ولا شيء غير العتمة أمامه، لا شيء غير العتمة خلفه.. 

وفجأة توقف. 

: مَنْ هناك؟!

: سمعتُ الرجال يصرخون. ترجَّلْتُ عنه. 

: أنا زينب. 

: ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟

.. كانوا غاضبين. 

: أين علاء الدين؟

.. صمتوا. 

.. منذ ثلاثة أيام، كانت البلد تتابع معركة الجسر، مرة يستعيده رجال البلد، ومرة تحتله عصابات شتيرن. ولم يكن أحد الطرفين يريد تدميره، لأن لكل منهما مصلحته في أن يظل قائماً. 

ثلاثة أيام، ثم أصبح الجسر في المنتصف، لا بيد هؤلاء، ولا بيد أولئك، بعد أن اضطر رجال البلد للانسحاب، مُخَلّفين علاء الدين تحته. 

: سأحضره. 

: ماذا تقولين؟ إن أية حركة يمكن أن تصدر عنا في هذا الليل يسمعونها بسهولة في الطرف المقابل، لذا، فإن عيونهم عليه. انتظري حتى الصبح وسترين بعينيك؛ لو كان بإمكاننا أن نصل إليه لما تركناه هناك. 

.. لم ينسوا مرّة أنني ابنة الحاج عبد الحميد، ولذا حين كانوا يتحدثون معي، أحس بأنهم يتحدثون معه، لأن جزءاً منه فيّ. 

.. وغافلنا الحصان، انطلق إلى هناك، يعدو. 

وفجأة، فُتحتْ أبوابُ جهنَّم، وأضاء الرصاص التلال، انفجرت القذائف، وسطع وميضها الأسود الناري، وتراقص في العتمة ظلّ حصان. 

ورأيناه يعود. 

هل وصل؟ 

لم نعرف 

وكان أكثر هياجاً وهو يتجاوزنا ليختفي بعيداً خلفنا في الليل، ويعود ثانية قبل شروق الشمس مُنهكاً. 

***

تحت شمس حزينة، بين تلَّين من صخور محترقة، عارياً تحتَ فوهات البنادق، كان الجسر. 

تراجعتْ زينب بعيداً وراء التلّة، وهناك، صامتةً بقيتْ مع الحصان إلى أن جاء الليل ثانية. 

غافلَتْه، أحكمتْ رباطه في شجيرة عُلّيق، وتسللتْ وحيدة. 

تحسستِ الأرض طويلاً، باحثةً عن جسده في المكان، باحثةً عن وجهه، عن عينيه اللتين رآها بهما، عن يديه. 

وفجأة وجدتْهُ بين يديها، جثة لا أكثر. 

: كنتُ أريدُ أن أصرخ. لكنني لم أستطع، سيقتلونه ثانية، وكنت مذهولة، كأننا لم نعش زمن الشهادة من قبل. ورحتُ أجرُّهُ مبتعدة، حين فُتِحَتْ أبوابُ جهنَّم فوق رأسي. 

قلت: كان عليَّ أن أصرخ. وبدأتُ أصرخ، لا خوفاً، بل لأنني أريد أن أصرخ. وهدأ الرصاص فهدأتُ. وفوجئت بجسدي فوق جسده. أحميه من الرصاص، الرصاص الذي ظلَّ يدوّي في أُذني عمراً كاملاً. 

... ورحتُ أَجرُّه ثانية، إلى أن أوصلتُه، وضعناه فوق حصانه، وعدتُ به. كانت الشمس تشرق بعيداً ورائي، إلى درجة أنني خلتها لن تصلني أبداً، لن تتوسط السماء. وحين هبّوا لإنـزاله، لم أكن هناك. لكن شيئاً بي تنبه، وعاد من غيبوبته، فصرختُ، بكيتُ، كما لو أنه قُتِلَ ثانية. 

كانت إحدى يديه من الرسغ مبتورة.. وليستْ هناك. 

***

سندفنه. 

: صرختُ لا.. لن ندفنه قبل أن أحضر يده، لن أدفنه.

: اعقلي يا زينب. 

: لن أدفنه. 

وأغميَ عليَّ قربَهُ، وحين صحوتُ، وجدتُ يديَّ قابضتين على ذراعه. 

قالوا فيما بعد: إنهم كانوا يريدون دفنه، لكنهم لم يستطيعوا أن يُخلِّصوا ذراعه من بين أصابعي، دون أن تتكسر هذه الأصابع. 

موزَّعاً بين مكانين.. 

وزينبُ بينهما، ومعها حصانه. 

عادتْ مساءً للتلّة، حيث كان الرجال لا يزالون هناك، وخلفها، بعيداً، كانت تتبعها أمّه. 

قالوا: نحن سنأتي بيده من هناك. 

: إذا كان لا بدَّ لأحد من أن يموت من أجل يده، فهو أنا. 

في ذلك الوعر، وجدتْ زينبُ نفسَها تحبو ثانية، تزحف، بأصابع دامية وقدمين ممزقتين وقلب مكسور، إلى أن وصلتْ. تتحسس الأرض وتبكي. 

: ماذا لو أخذوها معهم ليثبتوا أنهم قتلوه؟ هذه ليست المرة الأولى التي يفعلونها. 

وصرختْ في داخلها: يجب أن تكون هنا. 

واندفعتْ تبحثْ محمومةً. 

: وأخيراً، عثرتْ أصابعي بها، أصابعي العمياء، ارتجفتُ، بكيتُ، وكان بودّي أن أصرخ، أن أموت هناك، وحاولتُ أن استعيدَ دفء يده، بعيداً عن هذه اليد الباردة، يده التي تعرفني، تعرف يدي، تعرف كتفيّ، شعري، يده الملوِّحة لي، الضاحكة، المنسابة، يده التي أعرفها. كان بودّي أن أصرخ: أينها، لكنني خفتُ أن يدفنوه دون هذه اليد التي لا تتذكرني. اليد التي تذكَّرتني، اليد المرتبكة التي راحتْ تلتجئ إليَّ وتختفي في صدري. كان يجب أن أجدها.. وإلا لكنتُ أمضيتُ العمرَ باحثةً عنها. 

: جبتيها؟!

: عمتي!!

وبكيتُ، ويدي تمتد إلى صدري لتخرجَها. 

وعدنا. 

امرأتان وحصان

وثلاثة قلوب مكسورة 

: اتركونا معه. 

قالت أُمّه وهي تحتضن رأسه بين ركبتيها. 

وكان حصانه هائجاً في الحوش. 

صرختْ زينب: ادخلوه. 

أطلّوا من الباب: مَنْ؟

: حصانه. 

: حصانه!!

وصرختْ أُمه: سمعتم.. أليس كذلك؟

ودخل حصانه، حصانه الذي تمدّدَ إلى جواره، مُلصقاً عنقه ووجهه بالأرض، هادئاً.. ويبكي. 

***

بيدين مرتجفتين، وعينين زائغتين بالدمع، راحتْ زينب تخيطُ يده.

: اعطيني الإبرة يا ابنتي. 

وأزاحتْ أُمه رأسَه، وضعتْه على ركبة زينب، وراحت يداها تعملان، يداها اللتان أحستْ بأنها تراهما لأول مرة، ذابلتين، كما لو أنهما لن تزرعا شجرة أبــــداً. 

يمتلئ وجهها بالدمع، تتوقف، تسمحه بطرف كمّها، وتواصل. 

ليلة كاملة.. 

وأطل الفجر.. 

طرقوا عليهم الباب، ودخلوا وجِلين..

: الآن يمكن أن تدفنوه. قالتْ زينب.

: هيا.. احملوه. قالت أمه. 

وساروا.. وسار حصانه خلف الجناز
جزء من رواية زيتون الشوارع 

السبت، سبتمبر ١٣، ٢٠٠٨

فكر بغيرك ....!

إهداء إلى كل من يشارك في حصار إخواننا في غزة 
سواء الحكام 
أو المحكومين ..!!

الأربعاء، سبتمبر ١٠، ٢٠٠٨

من حيث لا يحتسب


 من حيث لا يحتسب 

وقف امام المرأه يصفف شعره للمرة الأخيرة 
تأكد من ان هندامه جيد 
وابتسم 
فهذه من الأيام القليله التى يستيقظ فيها مبكرا في يوم سفره ، ويجد متسعا من الوقت لكى يتناول طعام الأفطار ( وهى عاده كاد أن يتخلى عنها ) ولكى يشرب كوباية شاى متينه ، 
روحه المعنوية كانت في أوجها فهو اليوم ذاهب ليبدأ أول خطوة عمليه لتحقيق ما كان يخطط له منذ فترة . 
فقد كان حلمه بالإلتحاق بدبلومة في كليه سياسه و إقتصاد لمده عام على وشك التحقق ، كان قد قرر في أخر عام دراسي له بالكليه بانه يجب ان يدرس في كلية سياسه و إقتصاد من أن لأخر لأن هذه هى المتعه التى من الممكن أن تخفف عنه من أجواء عمله التى يمر بها . 
ولأنه كان لايزال في مقتبل حياته و حجم الإيرادات أقل كثيرا من الصادرات ، و هو في حاجه لكل مبلغ من اجل أشياء كثيرة أخرى ، و انه كان قد قرر أن متعته هذه يجب أن يقوم بها بنفسه و بدون أن يقترض من أحد فانه ظل لفترة 3 شهور يجهز في المبلغ المطلوب لهذه الدبلومة . 
تأكد من ان الموبايل مشحون و أن معه رصيد كافي ، و فكر في ان صديقه القاهرى ربما يكون يعد نفسه الآن أيضا للخروج من منزله رغم أن صديقه القاهرى في القاهرة و هو في الفيوم !! فزحمه المرور بالقاهرة لا يمكن توقع متى تبدأ ولا متى تنتهى . 
و أخيرا 
قرر أن يصلى ركعتى الإستخاره للمرة الثالثه خلال 3 شهور قبل ذهابه للتقديم .
نتيجة الركعتين السابقتين كانتا في صالحه . فالمال جاء بيسر ، و الوقت الازم للدورة استطاع تدبيره . و الاستعداد النفسي كان في قمته . 
صلى الركعتين 
وبدأ في التحرك 
كان ينقصه خطوة واحده فقط قبل مغادرته المنزل 
أن يأخد المال الازم للتسجيل بالدبلومة ، و هو يحتفظ به في مكان أمن لا يعرفه أحد إلا هو ، حتى اهله بالمنزل لا يعلمون به و لا يعلمون بوجود مثل هكذا مبلغ معه . 
ذهب بثقه 
فتح الدرج 
فلم يجد المال 
..................

كرر البحث 
فلم يجد شيئا 
فكرر البحث ثانية 
فلم يجد شيئا ايضا 
وخلال الساعتين التاليتين كان يبحث في كافه أرجاء الغرفه بحثا عن المال !!

وفى الوقت الذى يجب أن يقابل فيه صديقه القاهرى امام باب جامعه القاهرة اتصل عليه ليخبره باعتذاره ، و عندما سأله عن السبب لم يعرف بماذا يجيب 

لا احد يعرف مكان هذا المال في كل الأحياء على وجه الأرض إلا أنا . 
ولم يكن هناك أحد بالمنزل عندما أتيت من يومين لأضع المال في هذا المكان 
ولا يعلم أحد في هذا العالم أن لدى هذا المبلغ إلا صديق واحد فقط من مدينه أخرى غير مدينتى 
وهو لم يأتى لزياراتى 
ولا يعرف أين أضع المال 
فأين ذهب المال إذا ؟!!

؟؟؟؟؟؟؟

قبل هذه الواقعه بشهرين 
كان في حاجة ماسه إلى مبلغ معين من المال . 
ولم يكن لديه 
فهو في بدايه تخرجة و المال لم يأتى بعد 
ولا يريد ان يبدأ حياته بالإستدانه 
فبئس البداية هى 
طلب من أهله أن يعيروه مبلغا فقالوا:
 ليس لدينا الآن لكننا سنحاول تدبره من غير الإستدانه لكننا لا نعدك بشئ 
مالحل إذا ؟!! 
مأزق كيف يتغلب عليه 
بعدها بيومين وبينما كانت والدته تقوم بجولات النظافه في أرجاء المنزل وجدت مظروف به ثلاث أضعاف المبلغ المطلوب . 
توقعوا أنه قد فقد من أحد زوار منزلهم خلال الفترة الماضيه 
لكن لا احد منذ 6 شهور قد زارهم ومعه هذا القدر من المال 
إذا 
المال خاص بالبيت 
لكن من جمعه ووضعه في المظروف ؟ 
وكيف نسى كل هذه المده ؟ 
غريبه 
يأتى المال من حيث لا نحتسب 
ويذهب أيضا !



الأربعاء، سبتمبر ٠٣، ٢٠٠٨

أفرجوا عنه


ربنا يصبره على البعد عن اهله في رمضان 

وعلى الحر مع الصيام 

و يصبره على ظلم الظالمين ...!!

السبت، أغسطس ٢٣، ٢٠٠٨

وقفه إحتجاجية للمعلمين بالفيوم




هذه صور للوقفه الإحتجاجية للمعلمين بالفيوم ضد إمتحانات الكادر التي ستبدأ غدا . 

الجمعة، أغسطس ١٥، ٢٠٠٨

في الجنة


" عاوز تقضي ليلة في الجنة ؟!" 

" هكذا تحدث صديق لى في ليله رأس السنة لعام 2007 عارضا على عرضا لم يكن لى أن أرفضه بأى حال من الأحوال ، فأن تقضى ليله رأس السنه في فندق سيتى ستارز " أفخم فندق في مصر " و أن تحضر الحفل الغنائى الذى يحيه :هيفاء وهبى و تامر حسنى و شيرين فهذا عرض غير قابل للرفض بأى حال من الأحوال ، إذا أضفنا إلى هذا أن هذه الليله سوف تكون مجانيه فإن رفض العرض يصبح من رابع المستحيلات ! " 

هكذا بدأ صديقى الحوار لنا جميعا 
و لأن البداية كانت مشوقه فإن الكل أنصت منتظر التفاصيل .

" لم يكن لى أن أقول لا ، و انا الذى لا أستطيع أن أقول لا لو جائنى جزء واحد فقط من هذا العرض في الظروف العادية ، لذلك فلم يكن لى إلا أن اوافق ! ، حجز غرفه مزدوجة في ليله رأس السنه لطبيب كبير من الصعيد ، و لأن الطبيب ينتظره مرضى يطلبون العلاح على يديه ، و لأنه رأى أن هذا وقت ضائع لا طائل من ورائه و سفر طويل من أجل لا شئ فإنه عرض على أنا أن أحضر مكانه و ان تكون التذكرتين ملك لى ! " 

ـ طول عمرك محظوط 
ـ يا بن ال......، طيب و العروض دى إشمعنى تاجى لك إنت بس ، الحاجات دى مش بتتعرض علينا ليه ؟ 
ـ تتعرض عليك إيه يا عم ، إنت أصلا مش عارف الأماكن دى فين و لاعمرك سمعت عنها ، تعرف فين فندق سيتى ستارز ده ؟ 
ـ يعنى إنت إللى تعرف ! ، مش عاوزك تعمل فيها داير ومقطع السمكة و ديلها . 
ـ يا جماعه إنتم كده طلعتنونا من القصه ، كمل يا عم .... كمل . 
ـ عجباك القصه أوى ، يعنى هيكون فيها أيه جديد ؟ 
ـ أدينا بنتسلى . 

" كانت هذه اول مرة أدخل فيها الفندق ، بالفعل حاجة تحفه ، انا دخلت قبل كده فنادق كتير بس ده حاجة مختلفه بالفعل "
 
ـ فنادق كتير أيه يا عم إنت هتصيع علينا. صعب اوى أنك تدخل أى فندق بالسهوله دى . 

" أنا دخلت فنادق من خلال أفراح إصحابي و قرايبى أو إنك تعمل نفسك تبع الفرح و بكده ممكن تدخل بسهوله أى فندق، بس هى محتاجه شويه جرئه " 
" الهول إللى جلسنا فيه حاجة فخمة جدا ، جدا .....حاجة روعه ، و كميه بشر كتييييير ، بس بشر نظيفه ،..... مش زى الأشكال إللى انا شايفها قدامى دلوقت .هههه " 

ـ مالها الأشكال دى ، مش تبص لنفسك الأول ؟ 
ـ انا مش عاوزك تصيع علينا ، وقبل ماتقول الأشكال دى بص لنفسك . 
ـ الأشكال دى قال ، إنت نسيت أصلك ولا إيه ، كل ده عشان ليله في سيتى ستارز جتلك هديه ، امال لو رايح بفلوسك هتعمل إيه ، هههه 
_ يا بنى دا إحنا أنضف أشكال إنت تعرفها .

" خلاص ، خلاص ...إنت هتزعلوا ولا إيه ، دا إنتم في الأول و الأخر أصحابي ، المهم بشر كتيييير قوى ،بس ليهم خاصيه مميزة ....و سكت قليلا
........................
كل واحد معاه واحده " 
ـ طبيعى طبعا ، إيه إللى هيخلى واحد يدفع دم قلبه في ليله زى دى إلا إذا كان معاه واحده !

" بس مش أى واحده ، بنات حاجى تااانى خالص ، نظافه و شياكة و رقه و هدوم على أخر موضه " 

ـ هدوم إيه ، هما كانوا لابسين ؟ 
" يعنى إللى لابس فيهم ههههههههه 
متفهمونيش غلط بس إللى لابس زيه زى إللى مش لابس ، كله في النهاية يؤدى إلى نفس النتيجة هههههه" 

و انتشر الضحك في المجموعه ، و بعض التعليقات التى تعرفونها بالتأكيد 
و كنت بدأت أقلق 
فالحوار يسير في منطقه حرجة 
ثم إن الوقت غير مناسب تماما 
فقد كان هذا بعد إنتهائنا من صلاه التراويح في رمضان وجلوسنا في حديقه المدينه الجامعية بالقاهرة للسمر قليلا قبل العوده إلى المذاكرة . حيث كنا على بعد شهر ونصف من إمتحانات البكالوريوس .
ومع هبوب نسمه الهواء التاليه كان الضحك قد قارب على نهايته 

" قبل منتصف الليل بدقائق تجمعت الناس كلها تحت في المول ، إللى بيجرى و إللى بيصرخ و إللى ماسك إيد حبيبته و بيقولها كلام ......و كل مالوقت يقرب من منتصف الليل كان عدد الناس بيزيد . وقبل دقيقه من الساعه 12 كانت الناس كتيييره قوى واقفه في أرضيه المول وفي كل دور ناس واقفه في نهايه الدور بحيث تكون شايفه الناس المتجمعين في وسط المول ، أنا رفعت عينى فوق لقيت أدوار كتيييير أوى و في كل دور ناس كتير اوى بتتفرج علينا من فوق و هى كمان بتصرخ 
9 8 7 6 وصوت الصراخ يزيد و يزيد 
و النور كله إطفئ في المول و لم يتبقى إلا صوت الساعه و هى تتحرك في كل ثانية و الناس تتابعها بالعد بصوت مرتفع 
5 4 3 2 1 هاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
ومع دقه الثانية عشر إنطلقت بالونات حمراء من كل دور بكميات كبير ، وبعد ثوانى تبدأ هذه البالونات بالإنفجار ليخرج منها قلوب حمراء عليها أسماء ، او يخرج منها زينه جميله الشكل ليصبح الفراغ الذى يمتد من ارضيه المول إلى أخر دور فيه عبارة عن بالونات أو قلوب او زينه كل هذا و النور مطفئ و موسيقى عاليه تملأ المكان و الليزر يزيد الموضوع بهرجة و جمالا " 

كانت الوجوه مندهشة من الحكى و من هذا العالم الجديد الذى يطرق مسامعهم ربما للمرة الأولى محاولين تصور هذا الكلام 

" و إنت وسط كل الناس دى لازم تعمل زيهم ،
طبعا فيه ناس خدت الgirl friend بتاعتهم بالحضن ، و فيه إللى باسوا بعض ، و فيه إللى كان بيطلع هديه لحبيبته ، كل واحد ودماغه " 

ــ و إنت عاملت إيه ؟ 
ـ هيكون عمل إيه يعنى ، خد صاحبه بالحضن ، ههههه
ـ و اما إنت مش معاك حد "طرى " تروح بيه مكان زى ده ، رحت ليه من الأول !؟
الحوار يذهب إلى مناطق مجهوله بالنسبه لى ، وزادت قناعتى بانى يجدب أن أتدخل في لحظة ما لأقول شئ ما . 
" أنا رحت أصلا و أنا في قمة التعب ، أنا لم استلم الحجز إلا في نفس اليوم بالنهار ، و كان عندى شوية مشاغل خلصتها ، و رحت المول بالليل ، مكنش فيه وقت إنى أظبط حد قبل ما أروح ههههههه ، وبعد كده انا معرفش حد مستواه يسمح له إنه يروح اماكن زى دى ، الأماكن دى مينفعش أى حد يروح معايا فيها عشان ميعملش ليا فضيحة "

ـ طيب متنسانيش السنه الجاية لما تاخد التذكرتين 

" بقولك ناس نظيفه ، إنت نظيف ؟؟" 

ـ يعنى إنت إللى نظيف ؟ ههههههههه
وانطلق فاصل أخر من الضحك 

" على العموم انا كنت تعبان جدا عشان كده لم أحضر الحفل خاصه و إن فيه تامر حسنى و أنتم عارفين إني مش بحب الشخص ده " 

ـ بس فيه شيرين ، و فيه هيفاء وهبى و دى شخصيات إنت أكيد بتحبها ؟ هههههه

" أنا كنت تعبان قوى قوى ، علاوة على أن المكان كان زحمه قوى فقررت إن أطلع غرفتى بالفندق " 

ـ يا فقرى ، حد يسيب حفله زى ده و لو هيموت حتى ، إنت تطول تحضر حفل لهيفاء وهبي ؟! يا فقرى 
ـ أنا مش قلتلكم أنه فقرى و ملوش في الحاجات دى 

"على العموم ، طلعت أنا وصاحبى إللى قالى "عاوز تقضى يوم في الجنه "الفندق ، غرفه لشخصين ،جميله جدا ، أنيقه جدا ، فيها تلفزيون فيه كل القنوات إللى انا أعرفها و إللى معرفهاش و خط تليفون دولى ، و ثلاجة فيها كل أنواع المشروبات و كل انواع الخمور بالطبع ، و منظر غايه في الجمال من نافذة الغرفه .........جو أسطورى " 

ـ يا محظوظ ! 
ـ الدكتور صاحبك ده أنا عاوز أتعرف عليه ، يمكن يعطينى بطاقتين لليلتين في أى فندق و خلاص . 
ـ هو فيه الكلام ده في مصر ؟ 
ـ فيه طبعا ، و أحسن من كده كمان 
ـ ده مش مكان واحد ، دا اكتر من مكان ، الناس إللى معاها فلوس في مصر كتير . ودى ناس عاوزه تتمتع و تعيش حياه حلوة من غير تعب 
ـ و من غير ما يختلطوا بالرعاع أمثالنا . 
ـ و كله بفلوسه . 
ـ دا إحنا كده مش عايشين بقى . 
ـ طبعا ! إنت فاكر العيشة إللى إحنا عيشينها دى عيشه ! إحنا مدفونيين بالحيا ! 
ـ الواحد إما يعيش بالطريقه دى يا اما ميعيش خالص. 

" أنت عارفين و ان جى انام على السرير حسيت كأنه حرير ، فقلت لصاحبى إللى معايا في الغرفة : المرتبة دى ناعمة أوى ، شكلها حرير ، الجرسون إللى كان واقف في الغرفه في هذا الوقت بالقدر يضع طعام العشاء قال لى : هى بالفعل من الحرير !" 

صمت تام 
و أكمل صاحبى للمرة الأخيرة 

" لما نمت على السرير و بدأت أسترجع الليله كلها من أولها : جه في دماغى فكرة غريبه أوى مش عارف إيه إللى جابها في دماغي في وقت زى ده " 

ـ إيه هى الفكرة دى ؟ 

" لما فندق سيتى ستارز جميل للدرحة دى ، امال الجنه هيكون شكلها إزاى ؟؟
يعنى لما يكون كل الحاجات الجميله _من وجهه نظرى _إللى أنا شفتها النهارده كانت من صنع بشر ، أمال لم تكون من صنع الرحمن نفسه هتكون عامله إيه ؟ 
كل الجمال ده في الدنيا ، طيب ......جمال الجنه هيكون شكله إزاى ؟ "

السكوت عمنا 
ونسمه هواء رمضانيه خفيفه مرت علينا جميعا لتنعش أرواحنا 

"وفجأه 
لقتنى بقوم من السرير أتوضى و أصلى ركعتين أطلب من ربنا فيهم إنى أعيش
في الجنه !"


الجمعة، أغسطس ٠٨، ٢٠٠٨

صفين النخل







"
أنا عاوزه أنزل عند صفين النخل !" 

كان يوما شاقا مررت فيه بالكثير من التعب ، أحد أيام الصيف التى أصبحت عادية من كثره تكرارها ، عندما يصبح العرق السائل على جسدك و كأنه حمام متصل لا ينقطع طوال اليوم و لا تفلح اى محاوله لوقف هذا الشلال الهادر من العرق في ظل هذه الأجواء الحارة ، و تظل طوال الوقت تترحم على أيام الشتاء الجميله التى لا يمكن تعويضها . أو تحلم بسيارة اهم ميزه بها ان فيها تكييف !!


يوم حار متعب أخر مثله مثل أى يوم

ركبت فيه مواصلات لدرجة أننى لا أستطيع تذكر عدد العربات التى ركبتها هذا اليوم ، مجموعه من المصالح الحكومية الممله التى تذهب إليها لكى تقضى حاجتك منها و لكى تتعلم فنون الصبر و تعلم إلى أى مدى و صلت البيروقراطية المصرية في التأخر ،و مصالح حياتية خاصه بالعمل ، و مواعيد مع بعض الشخصيات الهامة التى لم تقابلها منذ فترة و تريد أن تبقى علاقتك قويه بها ، بالإضافه إلى بعض المشاوير الصغيره الى لا تتم إلا في مدينة الفيوم العاصمة نفسها قبل إنتقالى إلى سكنى الكائن في أحد مراكز الفيوم ( سنورس) . 

يوم حار متعب أخر مثله مثل أي يوم 

لكن الجميل فيه هو أنك استطعت أن تنجز كل هذا قبل الثالثه ظهرا ، لا تعلم كيف و لا بأى طريقه لكنك لم تحاول أن تسئل نفسك هذه الأسئله لأن الأهم هو أن ما خرجت لأجله قد إنتهى على خير و بقدرات جبارة لم تكن تعلم أنها مدفونه بك ، فانت لم تكن تعلم أنك يمكنك أن تتحمل كل هذا التعب داخل وسائل المواصلات و لا أن تنجز كل هذه المهام في هذا الوقت البسيط .


يوم حار متعب أخر مثله مثل أي يوم 

لكن الأجمل هو أنى الآن أجلس في سيارة الأجرة الأخيرة التى سوف أستقلها هذا اليوم التى سوف تنقلنى إلى المنزل أخيرا بعد كل هذا العناء ، و أراها –أقصد السيارة طبعا _ كمركب سوف يقلنى إلى أهلى مرة أخرى بعد رحله سفر طويله .

" أنا عاوزه أنزل عند صفين النخل !"
للمرة الثانية أسمع هذه الجمله من السيدة المسنه التى تجلس بجوارى و يفصل بينى و بينها حفيدها الصغير ذو الأعوام الخمسه ، هى تطلب من الجالسين أن يرشدوها إلى الطريق و ان ينزلوها عند "صفين النخل " ......أى صفين النخل ؟ 
ـ فين صفين النخل دى يا أمى ؟ 
ـ في العزبة إللى متجوزه فيها بنتى 
ـ و العزبة دى اسمها إيه . 
ـ مش عارفه ! بس هى عند الطريق إللى فيه صفين النخل 
و بدأت حلقه من التعليقات بين ركاب العربة كنت انا أخر من يمكن ان يشارك بها ، فانا مرهق جسديا و ذهنيا بإلاضافه إلى الحر الشديد و إذا أضفنا إلى هذا ان السيده تبدو في غاية السذاجة _ وهذا بالطبع يزيد الموضوع صعوبة – فإن القرار السليم في مثل هذه المواقف أن تتخلى عن الفضول الذى بداخلك و أن تسند رأسك إلى النافذة التى بجوارك لتنظر إلى الطريق و تحاول تجاهل الحوار الطويل الذى يدور بجوارك . 
ـ إنت منين يا أمى ؟ 
ـ أنا من ( .......) " قرية ليس لها علاقه بمدينة الفيوم و لا بالمركز الذى نحن في الطريق إليه " 
ـ !!!!
ـ و إيه إللى ركبك هنا ، دا إحنا رايحين سنورس ( حيث أسكن ) 
ـ سنورس ! أنا عمرى ما رحت سنورس ! أنا عاوزه أروح عندى بنتى ! 
ـ ما احنا مش عارفين بنتك دى فين  
ـ عند صفين النخل 
ـ ايوة ، يعنى صفين النخل دول فين 
ـ أنا إللى أعرفه إنى من البلد إللى انا ساكنه فيها بركب عربية بقول له نزلنى عند صفين النخل بينزلنى هناك ، لكن النهارده ركبنا في عربية غلط فجت بينا على الفيوم و الناس هناك قالوا لى في الموقف اركبى لسنورس و اسئلى عن صفين النخل في الطريق . 
ـ لكن يا أمى الطريق ده إحنا بنركب عليه كل يوم و محدش سمع عن مكان فيه اسمه صفين النخل . حد سمع عن حته إسمها صفين النخل يا جماعه ؟ 
ـ أبدا 
ـ صفين النخل ! أكيد إنت غلطانه مش معقول يكون ده إسم مكان 
ـ يا أمى حاولى تفتكرى إسم العزية إللى ساكنه فيها بنتك ، أو الطريق إللى عليه العزبة يوصل بين اى مدينيتن .....أى حاجى تساعدنا إننا نساعدك . 
ـ بنتى ساكنه عند صفين النخل !
أمرأه كبيرة السن ، قليله العلم ، قليله المال (غالبا) تاهت في زحمة الحياه في طريقها إلى بيت أبنتها .....هذا ما كان ينقصنى بعد هذا اليوم الطويل . أى محاوله لمساعده هذه المرأة سوف تبوأ بالفشل بالتأكيد ، فلا توجد أي معلومات يمكن أن تساعدنا بها وهى في الأصل غير قادرة على مساعده نفسها . 
لتنزل الرحمه الإلهية على هذه المرأه العجوزة أو لتتحمل ما سوف تقدمه هذه الرحله لها من متاعب ! 

" هو السواق غير الطريق ليه ؟ " 
تسائل أحد الركاب إلى صبى العربية الذى كان منشغلا في عد المال الذى أخده منا ، و كانت فرصه لتغيير دفة الحديث من المرأه العجوز إلى شئ أخر . 
ـ أصل فيه كمين على الطريق و الظابط واقف و إحنا هناخد الطريق القديم . 
كان هذا البيان يعنى أن مسافة الرحله سوف تزيد لمده عشر دقائق بسب إستخدامنا للطريق القديم . 
"مش مهم 10 دقايق تأخير بس المهم أننا نصل في النهاية " 
هكذا حدثت نفسي 
في أول توقف للعربة أخرجت المرأه رأسها من العربة و سألت أحد المارين : 
"متعرفش الطريق إللى فيه صفين النخل فين ؟"
ـ صفين النخل ..........مم ، غالبا أخر الطريق ده 
أستبشر الجالسون خيرا ، فمعنى هذا ان المرأه سوف تجد طريقها ، لكنى تأكدت من أن هذا الرجل لا يعلم شيئا و هو " من أولاد الحلال إللى لم تسألهم على مكان يدلوك على أى مكان تانى هما عارفينه ، بس أهم حاجه إنهم هيدلوك و خلاص " 
و لسابق خبرة في مثل هذه المواقف 
و لشعور شخصى عميق تجاه شكل الرجل تأكدت أنه لا يعلم المكان ، لكنه بيحاول يساعد بطريقته ، فنحن سوف نسير إلى نهاية الطريق كما قال فلو وجدنا المكان الذى سألنا عنه فيكون بذلك قد قدم لنا خدمة ، و إن لم نجد فإننا لن نخسر شيئا فهذا هو مسارنا الجديد الذى سوف نسير عليه سواء كنا نبحث عن صفين النخل أو لا !!
ـ طيب يا أمى إنتى عارفه شكل الطريق كويس ؟ 
ـ ايوه ، عارفه كويس ، دا انا كل شهر بروح أزور بنتى و لو شفته هعرفه على طول . 
ـ طيب حاولى تركزى في الطريق يمكن تعرفيه ! 

" هو السواق غير الطريق تانى ليه ؟ " 
كان السؤال هذه المرة بحده أكثر و بصوت مرتفع و من أكثر من شخص من الركاب بعد أن غير السائق طريقه للمرة الثالثه ليأخذ أحد الطرق القديمة التى لم تعد مستعمله و التى تزيد زمن الطرق لعشر دقائق أخر ، كل هذا جعل الغضب المتصاعد من الركاب يزيد في محاوله لمعرفه سبب هذا التغيير ، و كنت قد بدأت بالحديث مبديا غضبى من تأخرنا في الطريق لمده 20 دقيقه بدون معنى سوف ان السائق يخاف أن يكون هناك كمين في الطريق ! 
لكن كل هذا الغضب المتصاعد من الركاب كان مصيره إلى لا شئ لأن السائق لن يغيير رأيه ولى مش عاجبه ينزل ، و بالطبع من سينزل فى هذا الطريق لن يجد أى سياره تقله إلى حيث يريد الذهاب . 
الغضب إنتهى إلى الهواء 
و السائق إنتصر في النهاية مستخدما الطريقه الإسرائيلية فى فرض سياسه " الأمر الواقع " . 

المرأه العجوز مازالت تنظر في النافذة بحثا عن صفين النخل . 
و تليفونات المحمول بدأت بالعمل معلنه إعتذار صاحبها عن التاخر عن ميعاده لمدة 20 دقيقة بسبب زحمه المرور . 
و كنت مازلت مسندا رأسى على النافذة ناظرا إلى الخارج الذى أصبح أكثر خضره بسبب كثرة الأراضى المزروعه في هذا الطريق القديم ، اعصابي أصبحت أكثر هدوءا و تركت لنفسى العنان في التأمل في مشاهد الريف الجميل . 
ما أجملها من حياه !
حيث الدنيا في منتهى البساطة و راحة البال بعيدا عن ضوضاء المدينه و مشاغلها و عرباتها و محلاتها و شوارعها ومولاتها و مشاجراتها .......إلخ 
الهواء هنا ليس مختلطا بعوادم السيارات و لا بدخان المصانع . 
و السماء هنا يمكنك رؤيتها دون الحاجة إلى أن تصعد فوق منزلك .
الناس هنا في منتهى الطيبة و لم يفقدوا بعد الكثير من براءتهم . 
هنا الحياه تسير على الفطرة 
تماما مثل هذه المرأه العجوز 
"
ايوة ......أيوة .....هو ده صفين النخل ، نزلنى هنا ....نزلنى هنا ....هما دول صفين النخل ....نزلنى هنا " 
كانت المراة مازالت تنظر من النافذة بحثا عن الطريق المؤدى إلى بيت ابنتها ، و كان كل من في السيارة قد نسيها بعد ان اعلنوا لها أن أفضل حل أن تظل معنا إلى نهايه الخط ثم تركب إلى منزلها و من هناك تركب من جديد لبيت أبنتها اليوم او فى اى يوم أخر . 
"
نزلنى يا بنى هنا .....نزلنى ربنا يرضى عنك
ونزلت المرأه أمام طريق عليه صف طويل من النخل على جانبيه تماما مثلما وصفت المرأة العجوز . 
نزلت وسط علامات التعجب والدهشة على وجوه الجالسين . 
السائق غير مساره مرتين ليسلك طريق لا نسلكه عاده من اجل ان تصل هذه المرأه لصفين النخل 
سبحان الله !!



حاشية الحياة

حاشية الحياة 
( الحاشية ) من كل شئ : طرفه و جنبه 
و ( الحاشية ) : الأهل و الخاصه 
و ( الحاشية ) : ما علق على الكتاب من زيادات و إيضاحات 
""""""""""""""""""""""""""
و حاشية الحياه  
سلسلة تدوينية تتناول أحاداث تحصل على جانب الحياه ( حاشية الحياه ) لكنها من صميم الحياه، كما انها تمثل زياده و توضيح لمعانى رئيسية في الحياه لن تعرف حقيقتها تماما إلا في وجود هذه (الحاشية ). 
حاشية الحياه 
لا تقدم تفسيرا و لا تعطى تبريرا ....لكنها تنقل لك الحاشية وتترك لك فرصه ان تتفاعل معها كما تريد . 
وهي ليست ( سياسية ) إذا كنت تفهم السياسه بإنها شد وجذب و تبادل لوجهات نظر متعارضه . 
وليست (إيمانية ) إذا كنت تفهم المقالات الإيمانيه بانها مقالات تتحدث عن وعظ مباشر تتخللها أيات قرآنية . 
هى في النهاية 
( حاشية ) 
تساعدك على فهم النص كاملا إذا كنت تملك الكتاب بالفعل 
مممممممممم
يبدو أنى قد اطلت في التمهيد 
و البعض لم يفهم ما أريد 
أذا 
لنبدأ السلسه و لنرى كيف تسير الأمور 

 




الأربعاء، يوليو ٣٠، ٢٠٠٨

بيان رابطة مدونى الفيوم

تعلن رابطة مدوني الفيوم رفضها لما تسرب من وثيقة جديدة تحت مسمى وثيقة البث الفضائي التي تهدف إلى حصار الفضائيات والمتعاملين مع الإنترنت (المدونات – الفيس بوك) ورسائل الاتصال الحديثة (الموبايلات) لذا تعلن رابطة مدوني الفيوم أن حرية التعبير عبر الصحف والفضائيات والمدونات هي خط الحرية الأخير في مصر بعد أن تم التضييق على الأحزاب والنقابات المهنية والنقابات العمالية والإتحادات الطلابية وتزوير الانتخابات وتحويل الصحفيين الشرفاء للمحاكمة وكبت أي حركات معارضة جماهيرية والتضييق عليها واعتقال كل من تسول له نفسه النزول إلى الشارع لإعلان احتجاجه ضد السياسات الخاطئة التي تسير بمصر إلى الهاوية.

إن رابطة مدوني الفيوم تعلن استنكارها لمثل هذه القوانين التي تعيد مصر إلى الوراء والتي يحاول النظام من خلالها إسكات كل صوت حر وشريف في مصر وتتساءل الرابطة لمصلحة من يتم وضع قوانين مقيدة للحرية السياسية رغم حاجه مصر إلى مزيد من الحرية والديموقراطية في مقابل إعطاء الحرية الكاملة للفضائيات المثيرة للغرائز والتي لا تهدف إلا إلى خلق جيل جديد بلا هوية وبلا فكر أو عقل.؟!!

لذلك تدعو رابطة مدوني الفيوم كل المدونين في مصر والعالم العربي للوقوف ضد هذا القانون من خلال الكتابة في المدونات والصحف أو وضع شارات ضد هذا القانون في مدوناتهم وهذا هو الحد الأدنى من الاعتراض.


" أرجو من كل مدونى الفيوم خاصه و من المدونيين عامة وضع هذا البيان في مدوناتهم لإظهار معارضتهم لهذا القانون "

الأربعاء، يوليو ١٦، ٢٠٠٨

الأربعاء، مايو ٢٨، ٢٠٠٨

عامان

منذ عامان بدأت أولى خطواتى التدوينية
مرت الأيام بسرعه
لكنى لا زلت أتذكر البداية جيدا
و محاولتى السير في عالم التدوين
ثم الوقوع
فمعاودة السير مرة أخرى
كان نشر تدوينه يستلزم ساعه على الأقل
أما كتابتها فكانت تستغرق أيام
كل هذا تلاشى الآن
أصبح التدوين مثل الماء و الهواء
...................
من عامين كانت لدي رغبه شديده في التدوين
و حافز كبير
و كان نظرى موجه إلى الجيل الأول من المدونين
حيث العدد قليل
لكن الجوده كانت عاليه
اليوم أعداد المدونيين بالآلاف لكنك تجد صعوبه في أن تجد شخص تتتابعه
الآن
هناك حاله صمت تدوينى أمر بها
بعد أن أختلط الهم العام بالهم الخاص و لأول مرة
كانت كلمات مثل :
الحرية
الفساد
الرشوة
التعذيب
الأمل
كثيرا ما تترد على لسانى
لكنى الآن فقط بدات أعرف معناها الحقيقى
فرق كبير بين أن تعرف الكلمة و بين أن تشعر بمعناها الحقيقى
...........................
عامان
أعتقد أنى قدمت فيهم تدوينيا ما كنت أريد
أنا منذ البداية أردت أن أجعل هذه المدونة خاصه بى
كشخص
أردت أن أكتب فيها ما أريد
و ان تكون تأريخا لتطوري
و قد كانت بالفعل
ما كتبته عن تجارب التغيير في دول أوربا الشرقيه و أمريكا الاتينية و تركيا
عن الإسلاميين المعارضين للنظام
كانت إجتهاداتى لفهم ما يدور حولنا
إهتمامى بما يدور بالجامعه جزء من إهتمامى بمستقبل مصر إللى مش عارفين هي رايحة على فين !!
متابعتى لقضية التعذيب بالفيوم جزء من كرهى لمثل هؤلاء أشخاص تخلوا عن أدميتهم و عقلهم و أصبح تعذيب الناس جزء من هواياتهم
خاصه بعد أن أصبح التعذيب داخل أقسام الشرطة حق مكتسب لجميع ضباط الشرطة
( أحد الضباط قال لى : لو منعنا التعذيب يبقى إحنا كده مش هنشتغل ضباط .....نشوف لينا شغله تانى بقى !!)
حاولت أن اكتب نبذه عن تجربة إعتقالى للتاريخ
كتبت ما أستطيع البوح به الآن
أما مالااستطيع الكلام عنه الآن فانى تركته للزمن لعله أن يظهره
هذا عن الماضى
عن المستقبل التدوينى
فأنه يبدو لى غامضا تماما مثل مستقبل مصر بالضبط !
لكنى متأكد أنى سوف أستمر في التدوين
............................................
الفترة القادمة تحتاج مجهود كبير و تركيز اكبر
و إختلاط الشأن العام فيها بالخاص تجعلها فتره هامة جدا
و حساسه !
لكنى أطلب منك الآن الدعاء
و كل سنه و انا طيب بمناسبه مرور عامين على نزول أو تدوينه لى على أرض النت
( اول تدوينه لى كانت بإسم "يوم الكرامة " و كانت يوم 31 مايو 2006 )

الأحد، أبريل ٢٧، ٢٠٠٨

الحلقة الأخيرة:أسطورة التعذيب




و أخيرا إكتمل العدد
دخل أخر فرد سوف يكون معنا في عربه الترحيلات الى ستنقل كل منا إلى مكان مختلف .
انا و عمرو إلى مقر أمن الدوله بالفيوم .
و إثنين إلى سجن دمو
وفرد إلى سجن الوادى الجديد
و أخر إلى سجن الفلاحين بالفيوم .
و كان هذا الذاهب إلى سجن الفلاحين هو أخر القادمين .
إنتظرناه امام القصر العينى إلى أن جاء .
جاء رابطا يديه اليسرى .
و بدخوله إلى عربه الترحيلات التى كانت ممتلئه عن أخرها رغم قله عدد الأفراد إكتمل النصاب القانونى لنا و بدأت العربه في التحرك بنا .

برغم كل التأخير الذى حصل
ورغم زحمه عربه الترحيلات
كنت سعيدا
هذه أخر ساعات لى و انا معتقل و عما قليل سوف أعود إلى حياتى الطبيعيه .
لكن
ما أن بدأت عربه الترحيلات بالحركة إلا و عم السكون .
وبدأ الفضول في داخلى
كل شخص من هؤلاء بالتأكيد لديه قصه ليرويها لنا عن أسباب إعتقاله
لذلك قررت أن أسئل كل فرد عن قصته
وبعد أن إنتهى كل فرد من روايه قصته قلت لنفسى :
ليتنى ما سالتهم
لكنى أترك لكم تحديد إذا كان هذا الحكم صائب أم غير صائب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و لو متمش إعدامى أكيد بعد ما أطلع عتعرض على أمن الدوله ، و دول مش هيرحمونى . أكيد هيقبوضوا على لحد ما اموت ، و هيموتونى من التعذيب عشان إللى معتقدين إللى أنا عملته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأول
بدأت بالقادم من القصر العينى و الذى يربط يده
ــ خير يا أبويا ! جى القصر العينى ليه ؟
ــ أبدأ يابنى أصلى هعمل عمليه في إيدى بس الدكتور أجلها
كانت لهجته بسيطه جدا ، فلاح زى مالكتبا بيقول ، و من طريقه كلامه يبدو انه طيب و على نياته "زى مابيقول الناس " ، هذا بالطبع زاد من الفضولى داخلى لكى أعرف لماذا هو في السجن ؟
ــ إنت إتجرحت في أيدك ؟ حد ضربك
ــ لأ ، دا انا كنت بحاول أنتحر !!
هنا تغير الإنطباع السابق ، هذا شخص كان في طريقه إلى النار لولا ستر الله ، مالذى يدفع شخص للإنتحار مهما تكن الظروف . وعند هذه النقطة بالتحديد كل من في العربه زاد إنتباهه و نظر إلى الرجل مباشرة لكى يعلم لماذا أقدم على الإنتحار
ــ ليه كده يا حاج ، إيه إلى يخليك تفكر في حاجة زى كده ، دا إنت منت في طريقك للنار لولا إن ربنا ستر .
ــ لحظة ضعف ، أعمل إيه مكنتش قادر أستحمل ، و لقيت حته السيراميك قدامى فعورت بيها نفسى .
ــ ضغوت إيه إللى ممكن تعمل فيك كده ، الرزق ده بتاع ربنا و هو إللى بأيده أنه يرزقك .
ــ الضغوط دى مش عشان الفلوس ، دى عشان القضيه إللى انا فيها
ــ إنت متهمينك بإيه يا حج ؟
ــ متهمنى انى انا إللى غرقت الناس بتوع الفيوم إللى كانوا مسافرين إيطاليا في البحر ، إنى كنت السمشار بتاعهم .
هنا تذكرت القصه كامله من الجرائد ، "سمسار الموت" الذى ضحك على الشباب وأخذ منهم المال ثم حاول تسفيرهم في مراكب متهالكه غرقت بهم جميعا . هذا شخص يستحق الإعدام ،ولا يجب أن يكون فى قلبى أى مكان للشفقه تجاهه .....هكذا كنت أحدث نفسى .
أكمل هو الحوار :
و انا و الله مليش دخل بالموضوع ، أنا إبنى مسافر في إيطاليا ، إتصل على و قالى إن فيه ناس إصحابه من الفيوم عاوزين يسافروا و طلب منى إن أدلهم على السمسار إلى سافر معاه ، و أيسر لهم الأمر
رحت الفيوم و قابلت أهليهم و قلتلهم على الأسعار ، و جه واحد معايا بالفلوس بس خافوا إنى أعمل فيه حاجة في الطريق فأخدوا عليه و رقه بالفلوس كلها .
المهم السمسار أخد الفلوس و هما سافروا بالفعل و أنا مليش أى علاقه غير إنى واسطه .
وحصل إللى حصل
إلعيال غرقت
إتصلت على أهليهم قالوا لى : هات فلوسنا و إحنا نكون صافيين .
رحت للسمسار و طلبت الفلوس ....إتأخر على ، راحوا اهالى العيال مبلغين عليا انا لأن معاهم الورقه . و مش معاهم أى حاجة ضد السمسار !!
رغم إنى انا في حياتى مسفرت حد ، و لا انا عمرى سافرت بره مصر . و مليش دخل بالموضوع .
بدأت مشاعرى تجاه هذه الرجل تتغير خاصه مع الجزء الأخير بالإضافه إلى لهجته شديده الطيابه ، لكنه كان يخبأ لى المزيد من المفاجأت !
لما إتعرضت على النيابه وجدت كميه وسائل الإعلام تفوق الوصف ، كله بيصور في ...كاميرات فيديو ، كاميرات تصوير ، موبيلات و الهمهمات تتردد " سمسار الموت "
" هو ده "
" منه لله "
شعرت و كأنى " ملحوظة : الجمله القادمه لازلت أتذكرها حتى الآن منذ أن قابلت الرجل "
شعرت و كانى هيعدمونى ميت مرة ، رغم إن محدش من الصحفيين دول جاء و سألنى إنت عملت إيه !؟
أكمل الحوار :
لما دخلت الزنزانه خفت على نفسى
انا كده هيعدمونى على الأقل
و لو متمش إعدامى أكيد بعد ما أطلع عتعرض على أمن الدوله ، و دول مش هيرحمونى . أكيد هيقبوضوا على لحد ما اموت ، و هيموتونى من التعذيب عشان إللى معتقدين إللى أنا عملته ، عشان كده فكرت إنى أنتحر .
أنا دخلت في الحوار : يعنى إنت فكرت تنتحر خوفا من امن الدوله و إللى هيعملوه فيك ؟
ــ أيوه ، أكيد مش هيسبونى في حالى .
ــ طيب ، هما كانوا قبضوا على إللى تسبب في حريق بنى سويف ، ولا إللى تسبب في غرق العباره .....أمن الدوله مش مهتم غير بالسياسيين فقط ، ملوش علاقه بالجنائى .
ــ انا محدش قالى الكلام ده ، يعنى هما مش هيقربوا منى ؟
ــ ولا إنت تشغلهم أصلا !!
ــ يعنى محدش منهم هيقرب منى
ــ و لا هيفكروا فيك من الأساس !
ــ الحمد لله ! أنا ميفرقش معايا السجن لأنه أيام و هتعدى لكن أهم حاجه لما أطلع ميخدونيش امن الدوله .
قلت له : إطمنى خالص . مش هتروح أمن الدوله .
بعدها سكت الرجل
و كل من في السياره سكت .
نظرت إلى عمرو و كانت ملامح التأثر على وجهه من مدى الظلم الذى تعرض له الرجل .
الباقيين كلهم عمهم السكون .
لكن احدهم و كان يرقد على ظهره و كأنه نائم منذ ان دخل إلى عربه الترحيلات قال فى صوت هامسه سمعناه جميعا :
منك لله يا حسنى !!
إنت السبب في ده كله !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و بالفعل إتجمعنا و وضعنا خطة ودعينا الشباب إنهم ينضموا إلينا عشان ننصر فلسطين ، و بدأنا نشوف شرايط فيديو كتير للتدريبات و في نفس الوقت نجمع فلوس عشان نشترى سلاح .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثانى و الثالث
مع بداية دخولنا عربة الترحيلات جاء إلينا مبكرا
صغير في السن
ذو لحيه كثيفة
وكان دائم الحركة وسبب لى انا شخصيا القلق
ما بين محاوله الإحتكاك بالشويش الذى أدخلة إلى عربه الترحيلات ، إلى محاوله الإحتكاك بالشاويش الذى يقف بجانب عربة الترحيلات .
ووسط هذا كان حديثه قد بدأ يكشف عن هويته :
"الشويشية اعوان الطواغيت "....كانت هذه الجمله كافيه لأعرف طبيعه شخصيته لكنى كنت في شوق لأعرف مالذى جاء به إلى السجن
ــ قصتك إيه ؟ إيه إللى جابك ؟
ــ إحنا تنظيم كان عاوز يقدم الدعم لفلسطين ، إحنا قضيتنا قضيه أمن قومى عشان كده غطوا عليها و لم تنشر في الجرائد .
ــ تدعموا فلسطين إزاى ؟
ــ كنا بدأنا نجيب شرايط من على النت للمجاهدين من فلسطين و إزاى بيدربوا و كنا بنحاول نقلدهم و نتدرب زيهم ، كنا عاوزين نطلع مجاهدين زيهم .
وكان عندنا خطة إننا نجمع فلوس و نشترى سلاح و نعبر الحدود عشان نروح نجاهد معاهم .
كانت مشاعرى متأرجحه حتى هذه اللحطة امام ما يقول لكنى اثرت الصمت و ان أتابع معه القصه حتى النهاية ...
و بالفعل إتجمعنا و وضعنا خطة ودعينا الشباب إنهم ينضموا إلينا عشان ننصر فلسطين ، و بدأنا نشوف شرايط فيديو كتير للتدريبات و في نفس الوقت نجمع فلوس عشان نشترى سلاح .
ــ و مين إللى كان بيحركم ؟ مين إللى قالكم على الفكرة دى ؟
ــ طالب معانا
ــ إنت كنت كلكم طلبه ؟
ــ ايوة
ــ بس إنت لسه صغير في السنه ، يعنى على الأقل يكون معاكم واحد كبير في السن عشان يقولكم تعملوا إيه ، أو واحد جاهد قبل كده ...
ــ مش شرط إحنا كنا هنعلم نفسنا بنفسنا !!
ــ تعلموا نفسكم .....!! ( حتى قياده السيارات تحتاج إلى من يعلمك إياها ، فمابالك بالقتال !!)
ــ إنت كنتم كام واحد ؟
_ حوالى 30 .
ــ و إزاى إتقبض عليكم ؟
ــ الكلام إتنشر ، و الإخوه أخدها الحماسه فدعت ناس كتير ملهاش في موضوع الجهاد .
ــ يعنى إيه مش فاهم !!
ــ كنا نروح نقول لأخ فيعجب جدا بالفكرة فيروح يقولها لكل زملائه ، فزملائه يقول لناس تانية وهكذا ....الفكرة إنتشرت و إتعرف إننا فلان وفلان هما إللى قائمين عليها .
هنا مشاعرى بدأت تتغير
وشعرت إننى امام قصه كوميدية من الطراز الأول !!
ــ هو إنتم كنت بتقولوا لأى حد !!
و بعد كده مش المفترض إللى بيجاهد بيختار نوعيه معينه من الناس !! أصل مش كل الإخوه ينفعوا يجاهدوا !!
ــ ما هو إحنا كنا هنجهزهم و نأهلهم .
ــ حد فيكم جاهد قبل كده ؟
ــ لأ
ــ أمال هتجهزوهم إزاى ؟
ــ من خلال شرائط الفيديو .
ــ شرائط الفيديو !!
ـ ايوة .
ــإنتم أكبر واحد فيكم كان عنده كام سنه ؟
ــ يعنى 26 ، 27
هذه شخصية في منتهى الطيبة و في منتهى السذاجة !!
( وعفوا إن كان هذا قد يغضب البعض )
هو غير مؤهل إيمانيا و لا فكريا و لا جسديا و لاعلميا وليس له أى خبرة في التنظيم و التخطيط ثم بعد ذلك يريد أن يقوم بعمل تنظيم للجهاد في فلسطين التى ليست في حاجة أصلا إلى مجاهدين بقدر حاجتها إلى الدعم المادى و المعنوى .
لكنه مصر على أنه بطل و مناضل و أن المشروع أجهض في مهده .
و امام شخص يفكر بمثل هذه السذاجة في عصر لا ينفع فيه إلا التخطيط العلمى المنظم و المستوى العالى من الخبرة و القياده تحسرت على مثل هذه "النوايا الصادقة " التى تضيع هباء منثورا في مشاريع وهمية و أفكار حالمة .
لقد تحسرت على الحركات الإسلامية التى لا تحاول أن تقرأ تاريخ من سبقها و تعرف أخطائهم حتى لا يقعوا فيها مرة أخرى ، لكننا نصر على أن نفكر بنفس طريقه التفكير و نفس طريقه العمل لنحصل على نفس النتائج و كأننا في حلقة مفرغه !!
لم أحاول أن استكمل معه الحوار فوه ليس لدية جديد و انا قد زهدت في ان أستمع إلى تجربة قرأت عنها في الكتب أكثر من مرة .
لكن بعد قليل دخل علينا في عربة الترحيلات شخص ثالث ، علمت فيما بعد أنه من سيناء و أنه كان متهما في تفجيرات سيناء .
عندما حاولت أن أفتح معه الحوار كان شديد الصمت . و منذ أن دخل غلى العربة فإنه تمدد و بدى و كأنه في وضع النوم .
من معه قالوا لى أنه من المفترض أن يفرج عنه قريبا بعد أن أقر ان ما قام به كان على غير الصواب ،كان محملا بكميات كبيرة من الكتب في الكمبيوتر و الإتصلات و غيرها .
وبدا لى أنه أحد هذه القصص التى أخدذت الحماسه في الطريق فأرتكب الكثير من الأخطاء و بعد أرتكابها إكتشف انه كان مخطئا ، فندم على ما مضى !!
يا حسره على العباد
ألا نتعظ أبدا من أخطائنا السابقة !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد أن نزل كل الأشخاص السابقة من عربة الترحيلات
لم يتبقى غيرى و عمرو أيوب و ثالثنا
وهذا كان حكاية أخرى تستحق أن تروى
فاربطوا أحزمتكم فأنتم على مشارف قصه تراجيدية من الطراز الأول .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرابع
كان هذا قبل أحداث الحادى عشر من سبتمبر بفترة
كنت قد بدات أولى خطوات الإلتزام
و كفعل طبيعى فانى قمت بتربية لحيتى و تقصير الجلبية
و بعدها بفترة بدأت بالتعرف على عدد كبير من الإخوه ، لم أكن أعرف بالطبع إنتمائتهم و لا تنظيماتهم في هذا الوقت . لكنى كنت معحب بالسمت الإسلامى لهم .
جاءت أحداث سبتمبر
وألقى القبض على عدد منهم
وتحت التعذيب ذكر عدد من الأسماء كنت من ضمنها
فألقى القبض على
وهكذا دخلت المعتقل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يونس "وهذا ليس أسمه الحقيقى " كان شديد النحاله لدرجة غريبة ، طويل .وله شعر شديد و لم يتكلم أغلب الوقت إلى أن خلت العربة علينا نحن الثلاثة .
وكان هو السبب في تأخيرنا لفترة 4 ساعات لأنه كان يزور والدته .
وكنت أحمل مشاعر غضب تجاهه لأنه السبب في تأخيرنا لكنه بعد دخوله إلى عربة الترحيلات أعتذر عن أنه السبب في تأخيرنا لأنه كان يزور والدته التي منع من زيارتها منذ سنه !
هنا تلاشى كل الغضب الذى كان بداخلى .
أثناء الطريق حدثنى كثيرا عن قصص التعذيب التى حدثت للمجموعه التى كان فيها ، وكيف أن بعض الأفراد بالفعل لم تقم بأى شئ ، كانوا مثله في بداية الإلتزام لكنهم من أجل الإنتهاء من التعذيب كانوا يعترفون باى شئ.
وحكى لى عن زميله الذى صمد في التعذيب لمده طويله فقال له الضابط :
إنت كده كده هتعترف ! إذا كان بتوع جوانتانموا في الأخر إعترفوا هيكون إنت إللى مش هتعترف !!
"الضابط القائم على تعذيبه كان من ضمن الذين قاموا بإنتزاع الإعترافات من معتقلى جوامنتاموا "
لكن بعد فترة توقفت عربة الترحيلات
ووقفة داخل العربة
كان ظهرى إلى مبنى أمن الدولة بالفيوم
وعقلى يفكر فيما يمكن ان يحدث لى بعد قليل
لكن و جهى كان مع يونس ...
كان يقص على من قصص التعذيب ما تشيب له الولدان
و كان له تقسيمة الخاص به :
تعذيب حسب الأماكن : أمن الدوله بمدينة نصر ، لاظوغلى ، جابر بن حيان .
تعذيب حسب طرق التعذيب : وسائل التعذيب البدنى ، وسائل التعذيب المعنوي ، طرق الضغط على العائله .
كان كل حكايه منها دراما خاصه بها .
حدثنى عن النكته التى تقول أن هناك واقعه إغتيال حدثت شارك فيها 3 أشخاص و أختبئوا في غابة و أرادت 3 دول أن يعرفوا من الذى قام بهذه العملية ، فقامت المخابرات الأمريكية بمراقية الغابة بالأقمار الصناعية و أستطاعت الوصول إلى أحد منفذى العملية بعد ساعتين ، ثم جاءت المخابرات الروسية ومن خلال المجسات الحرارية استطاعت تتبع الشخص الثانى و الوصول إليه بعد ساعتين ، و عندما دخل الأمن المصرى الغابة للبحث عن الشخص الثالث الذى شارك في العملية خرجت الغزاله بعد 10 دقائق من الغابة و هى تصرخ و تقول : أنا إللى قتلت ، أنا إللى قتلت !!
حدثنى عن من ظلوا 100 يوم في غرفه أرضيتها مليئة بالمياه وهو لا يرتدى شئ غير الملابس الداخليه و لم يقتح عليه الباب طوال هذه المدة إلا وقت خروجة من الغرفة . و كان الطعام ياتى إليه من خلال فتحة في باب الزنزانه .
وكان طوال هذه الفترة يتحدث إلى و نبرة صوته هادئة لكنها بدأت أن تعلو قليلا بقليل
و يبدو عليه التأثر
و أنه قد انفعل مع الحكى .
و كنت مستتغرقا فيما يقوله لأنى مقدم على دخول أحد هذه الأماكن التى يتحدث عنها .
وربك يستر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
لما يجى ضابط "يطنطط " عليا و يهنى و يبهدل كرامتى و بعد كده أقوم انا معترض على طريقته يقوم هو عامل لى تأديب فياخد منى البطانية و الموقد و الكتب ..
بياخد منى كل دنيتى
كل ما املكى في هذه الدنيا
هما دول فلوسى
هما دول رأس مالى
عاوزنى بعد كده أتعامل معاه إزاى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ انا عندى سؤال ، لكن استحملنى فيه .
ــ اتفضل ، يعنى إنت إيه إللى خلاك تكفر الناس دى بالطريقة دى .
أنا أسف إذا كان السؤل محرج لكن أنا أقصد هل أنت قبل أن تعتقل كنت تتنبى هذا الرأى ؟
ــ أنا عندما اعتقلت لم أكن قد كونت أى أراء بعد !، لكنى مع أول تجربة لى في لاظوغلى " كفرت" كل العاملين بها فقط ، و في التجربة الثانية في سجن " لا أذكره الآن " كفرت كل العاملين به أيضا
أنا مقاطعا : يعنى أيه تجربة ؟
ـ تعذيب يعنى ، و بعد كده أثناء ترحيلى في عربة الترحيلات عاملنى الضابط معاملة شديده السوء فكفرت بعدها كل العاملين في الشرطة !!
لحظات من الصمت مرت بعد أن نطق كلماته الأخيرة
كنت أشعر انى ادخل في منطقة شديده الوعورة لكنى لم أتوقف
و بدأت معه نقاش طويل عن فكرة التكفير و شروطها ومن يقوم بها
و هو مازال مصرا على موقفه
أنا أستدعى كل الأدله التى قراتها من قبل في هذا الموضوع و هو يهدمها لى دليل بعد دليل
و عندما شعرت في النهاية انه لن يغيير من رأية قلت له :
بغض النظر عن حكم الشرع في هذا الموضع إنما إنت برضه لازم تعامل اللناس دى كويس عشان مصلحتك ،
عشان لا يتحول العداء من عداء عام إلى عداوة شخصية
عشان يسمحلك بحد أدنى من الإحترام .
ــ يا دكتور أحمد إنت بتقول كلام من الكتب ، الكلام ده مبيحصلش معانا
إنت لو مريت باإللى انا مريت بيه مش هتقول الكلام ده
إنت بتقول كدها دلوقت لأنك مطمن و عارف إنك هترجع بيتكم و إنى فيه حد مهتم بيك و إنه لو حصلك حاجة في ناس هتعرف و مش هتسكت و هتتكلم . عشان كده إنت بتقول الكلام ده .
إنما إنت لو مريت بإللى انا مريت بيه مش هتقول الكلام ده أبدا . ( لهجة الحوار كانت قوية و متسارعه و الصوت بدأ يعلو و انا لا زلت في إنتظار ما سيحدث لى و كلنا نقف أمام أمن الدولة بالفيوم )
أنا راجل كل ما املكة من الدنيا بطانية بنام عليها على الأرض و موقد غاز عشان أسخن عليه المية في الشتا و ممكن أعيد طبخ الأكل إللى بيجلنا عشان يكون قابل للمضغ و مجموعه كتب ، هو ده كل إللى انا أملكة في الدنيا . لما يجى ضابط "يطنطط " عليا و يهنى و يبهدل كرامتى و بعد كده أقوم انا معترض على طريقته يقوم هو عامل لى تأديب فياخد منى البطانية و الموقد و الكتب ..
بياخد منى كل دنيتى
كل ما املكى في هذه الدنيا
هما دول فلوسى
هما دول رأس مالى
عاوزنى بعد كده أتعامل معاه إزاى
دا " من مات دون ماله فهو شهيد "
طيب الراجل ده مش كافر يا عم
فرضنا إنه مش كافر زى ما انا بقول
بس هو بيعتدى على
بياخد منى مالى و دنيتى و حياتى كلها
مدافعش عن نفسى
مموتش نفسى عشان بطنيتى و موقد الغاز الخاص بى .؟!!
قلي إنت : انا أعمل إيه ؟
أعامله إزاى ؟!!
...........................
إنتهى يونس من الكلام .
لكن كلماته أثرت بي بشده
لقد كنت أختلف معه على المستوى الفكرى إلى حد كبير
لكنه بعد ان تكلم عن معاناته الإنسانية فإنى لم أستطع إلا ان ......
اصمت .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يونس أنهى كلامه و جاء الضابط ليخبرنا بانك إنت و عمرو ذاهبون إلى "العزب" السجن العسكري بالفيوم !!
كل من خرج قبلنا ذهب إلى أمن الدولة و بعدها بساعات ذهب إلى منزله
قلماذا نحن ذاهبون إلى سجب جديد ؟!!
استنتجنا بان امامنا أسبوع أخر في السجن حتى يتم الإفراج عنا
وقلت لعمرو : إللى صبرنا 60 يوم قادر يصبرنا اسبوع
لكن ما علمته بعد ذلك
أن الله كان يهيئ لنا تجربة جديده جدا
و في نفس اليوم
و أن الذهاب إلى سجن "العزب " يحمل لنا مفاجأة أخرى
و شخصية جديده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ا
نا يا ما قلت للضباط الكلام ده ، حرام عليكو إللى إنت بتعملوه في الشباب ده
إنتم كده بتخليهم مشاريع أرهابيين في أقرب فرصه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخامس
ما أن فتح باب سجن "العزب" إلا ووجدنا رجل شيخ كبير اللحية فى حدود الخمسين من عمره في استقبالنا بوجه بشوش و ترحيب بنا بصوت جهورى :
يا أهلا ....يا أهلا
نورتو المكان
و أصر على أن يحمل الحقيبة الخاصة بى إلى الداخل .
كان هو السجين الوحيد المدنى في هذا السجن و الباقى عساكر .
و كان فرحا باستقبالنا .

وبعد السلامات و التحيات كانت كل الحواجز قد إنهارت بيننا و بينه و اصبح مثل أبانا الكبير و سألته السؤال الذى ظل ملازمني طوال اليوم :
ــ إنت إيه إللى جابك هنا ؟
ـــ ياااااااااااه
دى قصه طويله
انا معتقل من اوائل التسعينات في احد القضايا الكبيرة ( كانت قضية شهيرة جدا على مستوى مصر ) ، و مطلعتش لحد الآن .
أول ما إتقبض علينا رحنا سجن العقرب . و كل واحد قعد في زنزانه إنفرادى .
الشويشية قالوا إنكم صدر لكم قرار إعتقال .
و اهلنا معرفوش إحنا رحنا فين .
باب الزنزانه متفتحش علينا لمده 8 سنوات متصله !!!!!
لم نرى الشمس فيها أبدا
كل شوية يقولوا السجن مقفول لمده 6 شهور ، بعد كده السجن هيتقفل كمان 6 شهور
هيتقفل سنه
كمان سنه
لحد ما عدت ال8 سنيين .
كل واحد في زنزانه لوحده ، بيدخل ليه الأكل من خلال فتحة في الباب .
أنا ( متسائلا) : 8 سنين مشفتش فيهم السماء ؟
ـ مشفتش فيها الشمس و مش عارف هطلع إمتى و اهلى ميعرفوش انا فين !!
ـ و بعد كده ؟
ــ بعد كده نقلونا من سجن العقرب إلى سجن تانى ، كنا فيه 7 في الزنزانة ، بس الزنزانة كانت ضيقه جدا لا تسمح لنا بالنوم في نفس الوقت . فكنا نقسم الليل علينا : قسم ينام على الأرض و قسم يظل واقفا !!
( لم أستطع تخيل مثل هذا الموقف )
و فضلنا على الوضع ده لمده 3 سنيين كمان .
انا بدأت أشعر بالدوار هو يتحدث عن أحداث لا أستطيع تخيلها و يتحدث عن السنيين كأنها دقائق ، و هو برغم كل هذا كان لديه من الرضا ما يكفى محافظة كاملة .
كان يروى لنا قصته بالتفاصيل التى لا أتذكرها كلها الآن
لكنها كانت قصه شديده القسوة و هو كان شديد الرضا .
لكنى خفت أن يكون مازال متمسكا بالفكر التكفيرى او بمبدأ الإغتيالات و القتل بعد كل هذا ، فقصصت عليه مامررنا به اليوم خلال عربة الترحيلات ثم إختتمت برأيه فيما سمع و انا قلق مما قد يكون عليه جوابه :
ــ دول شباب عندهم حماسه لكنهم بيعيدوا نفس أخطائنا ، نفس الأخطاء إللى وقعنا فيها هم بيقعوا فيها تانى للأسف ، انا معرفتش إن إللى أنا بعمله غلط و إن العملية إللى انا شاركت فيها دى كانت خطأ إلا أثناء ما كنا مستخبيين و الأمن بيدور علينا .
لما قعدت مع نفسى وفكرت عرفت إننا غلطانيين ، لكن كان الوقت عدى على الندم .
أنا : ياااااااااااااه ، يعنى إنت عرفت إن ده غلط قبل ما يتقبض عليك ؟
ــ ايوة
ــ صعبة اوى على النفس
ــ صعبه لكن ربنا بييخفف
ــ بس دول أكتر من 15 سنه من عمرك
و سكت و سكت هو .
و أثناء ذلك قام للحديث مع الجنود و الشويشية و بدا واضحا حجم الحب الذي يكنه الناس هنا له و مدى التقدير و الإجلال له .
قلت له قصه الشاب الذى دخل المعتقل و هو لا يكفر أحد فتعلم التكفير بالداخل فقال لى :
انا يا ما قلت للضباط الكلام ده ، حرام عليكو إللى إنت بتعملوه في الشباب ده
إنتم كده بتخليهم مشاريع أرهابيين في أقرب فرصه
أنتم بتقولوا إحنا بنعمل كده عشان نحارب الإرهاب و إنتم مش عارفيين إن بأعمالكم دى إنتم إللى بتصنعوا الإرهاب .
بس مفيش فايده ، لا حياة لمن تنادى .

كان إحترامى له يزداد مع كل كلمة ينطق بها .
شخص له تجربة سيئة لكنها لم تؤثر به
وهو لازال لدية أمل أن يخرج من السجن ليرى أولاده الذين تركهم من أكثر من 15 عام . و ان يشاهد فرح أبنائه .
غير ناقم على الدنيا ولا على الذين ظلموه
راضى بقضاء الله له
و مقر بخطئة
و يحمل وجهه علامات الرضا و السرور .
كنت سوف أخسر الكثير لو لم ألتقى به قبل خروجى .
هذا يوم لا اعتقد إنى سأنساه بسهولة .
لكنه يوم مميز
يستحق أن يكون أخر يوم لى في السجن
.


الثلاثاء، أبريل ٠٨، ٢٠٠٨

على هامش إضراب 6 ابريل


قبل أن ينقشع دخان القنابل المثيرة للدموع و تبدو الصورة واضحة أكتب هذه الكلمات في نقاط :

1) إضراب 6 ابربل نجح وبصورة غير مسبوقه في الدعايه له و إعلام الناس بموعده . فرغم أن الدعايه لم يستخدم فيها اليفط و الورق كعاده أى دعايه تتم في مصر إلا أن إستخدام النت ورسائل المحمول ساعد إلى حد كبير في توصيل الرساله إلى أعداد كبيرة من الشباب ، ثم بمجهود فردى من هؤلاء الشباب انتشرت الفكرة بصورة سريعه جدا ، لتنتقل عبر أرجاء النت ثم إلى أحاديث الناس في العمل و البيوت . و أكاد أقول أن كل صاحب رأى أو فكر في مصر أو مهتم بالشان العام علم عن الإضراب قبلها بوقت كافى . ثم ساهمت بعد ذلك الدعاية الحكومية المضاضه في إعلام كل طبقات الشعب به.

يمكن القول ببساطه أن 90% من الشعب المصرى كان يعلم بالإضراب ليله 6 أبريل دون ان نكون قد بالغنا .وهذه نقطة تحسب للإضراب و من أهم مزاياه .

2) نجاح الدعايه للإضراب يجرنا إلى النقطة الثانية وهى دور الإعلام الجديد و المدونات في صناعه الإضراب . فقد كشف لنا إضراب 6 ابريل أن هناك إعلام جديد ، حر ، مستقل ، قوى ، ومؤثر نمى في مصر و أصبح له قوة و وزن حقيقيين في الشارع المصرى . فبدون الحاجة إلى تلفزيون او قنوات فضائية أو صحف و مجلات نجحت الدعايه للإضراب ،و برغم أن الفضائيات لم تغطى الإضراب بالصورة الكافيه بسبب الضغوط الأمنية التى مورست عليهم إلا ان يوم الإضراب كلن بالنسبه له شهاده ميلاد على هذا الإعلام الجديد . ( يجب هنا ان أحى قناه bbc على التغطية المميزة للحدث وعدم قبولها للضغوط )

تقارير صوتية كل ساعه من أماكن التجمعات ،صور كل دقيقه من الأماكن الساخنه ، مقاطع الفيديو التى كانت تنقل لك الأخبار إينما كنت "على طريقه دعايه الجزيرة موبيل " ، الأخبار كانت تصل للمتابعين لحظة بلحظة لدرجه أنك قد تشعر أنك داخل الحدث بالفعل .مثلا " فلانه تم إختطافها من قبل الأمن ، بعدها بعشر دقائق ...فلانه أفلتت و هى الآن معنا ، او المواجهات تبدأ بين المتظاهرين .....الآن يتم إيقاف القطار في المحله ......وغيرها الكثير .

هذا يعطى دلاله عن أن الإعلام الحكومى مصيره إلى "سله المهملات" و أن الإعلام المستقل أصبح الآن على المحك و عليه أن يزيد من مساحه الحرية الخاصه به لكى يستطيع أن يلاحق ما يحدث الآن على النت و إلا سوف يكون مصيره مثل مصير سابقه .

من الطريف مثلا أنه تم تداول مقطع فيديو لمحمود سعد في برنامج البيت بيتك على القناه الحكوميه في بدايته ينقل فيه بيان الداخليه و بعد ذلك يعلق عليه و في التعليق دعا الوزراء إلى الإستقاله و سماع شكوى الشعب الغلبان . و هو مقطع ذكرنى بمقطع أخر كنت شاهدته أثناء الإعداد للتدوينه الخاصه بدروس التغيير من أوكرانيا ، حيث حصل موقف مشابه حيث قامت المذيعه الخاصه بالصم و البكم على التلفزيون الحكومى بنقل ترجمه مخالفه لمل يقوله المذيع تحضهم فيها على الخروج إلى الشوارع !!


شاهد محمود سعد ليله الإضراب وهو يتحدث عن الحكومة في منتصف الفيديو .

3) هل نجح الإضراب يوم 6 ابريل ؟

سؤال ليس من السهل الإجابه عليه .

جلوس الناس في البيوت كانت هى اكثر وسيله أسخدمها الناس في مصر .كل من وافق على الإضراب و كانت لديه الرغبه في عمل شئ ما فإنه شارك من خلال هذه الوسيله في الإضراب ، و هى الوسيله الرئيسيه التى دعا لها الإضراب منذ البدايه .بالطبع إختلفت نسب المشاركه من منطقه لأخرى ، ومن الوجه البحرى عن الوجه القبلى . لكن حتى من لم يشارك بالجلوس في بيته فإنه ظل يتحدث عن الإضراب في عمله (سواء بالسلب او الإيجاب ) و هذا أنا أعتبره نجاح أيضا ، لأن الفكرة أصبحت معروفه عند الناس و مفهومه و مقبوله عند مجموعه منهم ، و من لم يشارك فإنه ظل يتحدث عنها وهذا دليل على تأثيرها .

الدعوه للخروج إلى الشارع كانت الأكثر ظهورا من الناحية الإعلاميه لكنها كانت ضعيفه ، الأماكن التى تم بها مظاهرات بالفعل كانت قليله ، رغم المحاولات الكثيرة في أكثر من مكان للتجمع و رغم تحديد أماكن مسبقه للتظاهر . لكن يبدو جليا من خلال هذا الإضراب ان أى تحديد لأماكن التظاهر هو حكم بالفشل على المظاهرة لأن الأمن لن يسمح بذلك مهما كلفه الأمر .

عمال غزل المحله كان هم أصحاب اليد العيا فى هذا اليوم ، عدم مشاركتهم في البدايه كانت مفاجئة كادت تودى بحياه الإضراب ، ثم مشاركتهم بعد ذلك جعلت للإضراب بريقه المختلف .

يوم 6 ابريل لم يكون يوم عصيام مدنى بالمعنى المعروف لهذه الكلمه لكنه كان بروفه ناجحه للإعداد لهذا اليوم .

4) الأمر الذى أفقد يوم 6ابريل بهجته هو الفوضى التى عمت مدينه عزل المحله ، و الدمار الذى لحق بالمنشئات و القطارت ، البعض يفرح بمثل هذه أخبار لكنى أراها مؤشر خطير لم يمكن أن يحدث حقيقه أذا تطورت الأمور عن الحد ، او إذا فقدت السيطرة عليها .

بالطبع هناك أحداث قام بها الأمن و هى مصورة و منشورة ، لكن الأكيد أن أغلب هذه الأعمال قام بها أفراد مدنيين عاديين .

من هؤلاء الأفراد و من يقف ورائهم ليس السؤال الأهم

الأهم : فيما بعد كيف يمكن التعامل مع مثل هؤلاء ؟

اسئله صعبه لكنها بحاجة إلى أجوبة .

5) موقف الإخوان : عدم مشاركه الإخوان كان من نتيجته ظهور قوة جديده في الشارع هم "المناضلون الإلكترونيون" و لو شارك الإخوان ما علم احد بهؤلاء . هذه نقطة

النقطة الثانية أنه لا يجب بأى حال من الأحوال تخوين الإخوان أو إتهامهم بالعماله إلى الأمن كما تردد على بعض المدونات التى تتابع الحدث لأنهم لم يشاركوا في الإضراب ،فهذا كلام ليس من المنطق أو العقل . و تخوين فصيل مثل الإخوان و إدعاء عمالته للأمن بعد كل هذه المحاكمات العسكرية و الإعتقالات غير منطقى و مثير للغيظ .

الإخوان لهم حساباتهم و رؤيتهم المختلفه للموضوع .

وهما باركوا الإضراب لكن لم يشاركوا فيه و لم يمنعوا أحد من أفرادهم من المشاركة فيه . وتصريحات المرشد و كلام الدكتور عصام العريان على الجزيرة في ما وراء الخبر أكد هذا الكلام.

و أغلب من أعرفهم شاركوا في الإضراب من خلال الجلوس في المنزل . وهذا نوع من المشاركة لو أردنا الإنصاف . و هناك فريق شارك في المظاهرات .ولا يجب عليه أن يضع لافته مكتوب عليها إنا إخوان حتى يثبت أن الإخوان شاركوا .

ومعلوم أن الإخوان دعموا كل الإضرابت الفئويه المطالبه بحقوق أصحابها (الأطباء/ اعضاء هيئة التدريس / الأسنان .....) و إختلاف منهج الإخوان في التغيير السياسي عن منهج غيرهم لا يعطى الحق للأخرين لإتهامهم بالجبن و العماله بعد كل ما يحدث لهم .

هذه نقاط سريعه ربما يتم إيضاحها فيما بعد

أو من خلال المناقشات .

في أمان الله .